بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين نبينا أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته حجج الله على الخلق أجمعين.
السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم وأهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة نبدأ فيها بعون الله بتفسير سورة الإسراء المباركة، فنستمع أولاً إلى تلاوة الآية الأولى منها:
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴿١﴾
لقد سميت هذه السورة بسورة الإسراء لأنها تتحدث عن إسراء النبي (ص) في الليلة المعروفة بليلة الإسراء وعروجه (ص) إلى السموات العلى.
وكانت رحلة النبي الأكرم (ص) قد بدأت بحركته (ص) من مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى؛ وفي سورة الإسراء حديث عن مسائل إعتقادية مثل التوحيد والنبوة والمعاد وكذلك محاربة الشرك والظلم.
وفي الحقيقة فإن أقدس رحلة قام بها الإنسان هي رحلة المعراج إلى السموات التي خص الله بها الرسول الخاتم (ص)، وبعد عودته (ص) من رحلة المعراج تحدث للناس عما شاهد من عظمة وملكوت السموات.
وإذا كان آدم عليه السلام، ولتركه الأولى قد هبط إلى الأرض، فإن سيدنا محمد بن عبد الله (ص) قد عرج إلى أعالي السموات، وفي رحلة المعراج رأى النبي (ص) الجنة والنار واطلع على أوضاع أهل الجنة والنار.
ويستفاد من الروايات والأحاديث الموجودة أن النبي (ص) في رحلة الإسراء والمعراج قد التقى بعض الأنبياء عليهم السلام وصلى بهم إماماً. ومن الضروري الإشارة هنا إلى أن رحلة الإسراء والمعراج متفق عليها من كل المسلمين وأن من ينكرها فقد أنكر ما هو من ضروريات الدين، ومن أنكر ضرورياً من الدين وهو يعلم أنه ضروري فهو كافر حسب رأي الفقهاء العظام، على أن أكثر الفرق الإسلامية ترى أن هذا السفر كان جسمانياً وقليل من الفرق ترى أنه كان روحانياً.
ويستفاد من الروايات أنه (ص) قد قام برحلة الإسراء والمعراج قبل الهجرة بعام وأنه (ص) وبعد أن أدى صلاة المغرب في المسجد الحرام، ركب البراق مع جبرائيل في إسراء من مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى، ومن هناك إلى السموات، ومن بعد عودته (ص) من رحلة الإسراء والمعراج أدى فريضة الصبح في المسجد الحرام.
ورحلة الإسراء والمعراج من معجزات النبي (ص) حيث تمت في ليلة واحدة، والملفت للنظر أن الآية الكريمة ذكرت سيدنا محمد (ص) بلفظ (عبد) ولم يذكر النص بنبي أو رسول، ولعل في هذا إشارة إلى سمو مقام العبد الصالح لله تعالى وإن سيدنا محمد (ص) لعبوديته الخالصة لله تعالى كان مؤهلاً لرحلة الإسراء والمعراج.
هذا وإن بداية ونهاية هذه الرحلة الملكوتية كانت المسجد وهو محل العبادة والعبودية للباري تعالى شأنه.
ولنسمعكم هذه الأبيات حول الإسراء والمعراج مأخوذة من قصيدة البررة للشاعر البوصري حيث يخاطب النبي الأكرم (ص) بقبوله.
سريت من حرم ليلاً إلى حرم كما سرى البرق في داج من الظلم
وظللت ترقى إلى أن نلت مرتبة من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم
وقدمتك جميع الأنبياء بها والرسل تقديم مخدوم على خدم
وأنت تخترق السبع أطباق بهم في موكب كنت فيه صاحب العلم
حتى إذا لم تدع شاواً لمستبق من الدنو ولا مرقى لمستنم
والذي نستفيده من الآية الأولى من سورة الإسراء هو:
- أن العبودية لله تعالى هي مقدمة التحليق نحو المعنويات والإنفصال عن الماديات.
- الليل من أفضل الأوقات للتقرب من ذات القدس الربوبي، ومن هنا جاء التأكيد كثيراً على العبادة في الليل والإستغفار في الأسحار.
- إن المسجد هو أفضل قاعدة إنطلاق لرحلة معنوية لأهل الإيمان.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية الثانية من سورة الإسراء المباركة:
وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا ﴿٢﴾
بعد أن تحدثت الآية الأولى عن رحلة الإسراء والمعراج ورحلة العبودية إلى الله تعالى، تأتي هذه الآية لتبين أن سنة الله في خلقه هي على الدوام هداية البشرية إلى الصراط المستقيم والعبودية لله الواحد الأحد.
ومن قبل بعثة خاتم الرسل والأنبياء عليه وعليهم السلام، كان الله تعالى قد بعث موسى عليه السلام إلى بني إسرائيل نبياً وأنزل معه التوراة، على أن الهدف من بعثة الأنبياء عليهم السلام هو دعوة الناس إلى التوحيد ونبذ الشرك والكفر، وليس التوحيد الذي تدعو إليه الكتب السماوية هو التوحيد باللسان فقط، بل التوحيد بكل الجوارح، التوحيد الخالص النابع من النفس والقلب.
وعلامة هذا التوحيد، التخلص من رقبة الماديات والتحليق في عالم المعنويات، ومن هنا جاء في التوراة خطاب لبني إسرائيل من أن أمر الله تعالى فقط هو الفاعل والمؤثر في كل عمل مادياً كان أم معنوياً، وعليه فإنه لابد من التوكل على الله تعالى في كل الأمور، ومن استعان بغير الله ذل.
يستفاد من هذه الآية المباركة:
- إن محور دعوة الأنبياء (ع) التوحيد.
- إن الإنسان في حياته الدنيوية يحتاج إلى ملجأ واحد فيه الأمان والإطمئنان، وهذا الملجأ وكما جاء في رسالات كل الرسل والأنبياء (ع) هو الله تعالى.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يمن علينا برحمته ورضوانه وأن يهدينا سبيل الرشاد.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.