بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيد ولد آدم والرسول المصطفى الخاتم وعلى أهل بيته الطاهرين.
والسلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم ها نحن وإياكم نعود مرة أخرى إلى رحاب سورة النحل المباركة، وقد أنهينا بفضل الله ومنته تفسير مئة وخمسة عشرة آية منها والآن ندعوكم أيها الأكارم إلى الاستماع إلى تلاوة الآيتين السادسة عشرة والسابعة عشرة بعد المئة.
وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـٰذَا حَلَالٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴿١١٦﴾ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿١١٧﴾
الآيات السابقة تحدثت عن بعض أحكام أكل لحوم الحيوانات والذبح الشرعي ويأتي هذا النص مخاطباً الكفار والمشركين وأهل البدع والخرافات، ويقول لهم لماذا تحللون وتحرمون كما تشتهي أنفسكم وتستهويه رغباتكم؟
ثم يتسائل النص الشريف أليس هذا هو افتراء على الله تعالى؟ ومن يفتري على الله فليس له في الحياة الدنيا فلاح وله في الآخرة عذاب أليم، حيث مأواه النار وبئس المصير.
ومن الواضح أن من تخاطبهم هاتان الآيتان ليس مشركو مكة فقط، ففي عالمنا المعاصر يوجد من يضع القوانين الظالمة ويخالف سنن الله تعالى.
نعم هناك من يحلل ما حرم الله تعالى ويحرم ما أحل سبحانه وعلاوة على هذا تتم الدعاية لهذه القوانين الجائرة.
ومما يفيده إيانا هذا النص الشريف:
- إن تشخيص ما هو حلال وما هو حرام هو لله تعالى فقط والأنبياء والرسل الكرام على هذا النهج، ومن يخالفه يكون مبدعاً في الدين.
- إن الدافع وراء ظهور الكثير من الخرافات والبدع هو نيل لذائذ دنيوية، ومن يفعل ذلك لا يفكر في عاقبة أمره.
ويقول تعالى في الآية الثامنة عشرة بعد المئة من سورة النحل المباركة:
وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ ۖ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴿١١٨﴾
ذكرت الآية السابعة والأربعون بعد المئة من سورة الأنعام المباركة، تحريم الله بعض الأطعمة على بني اسرائيل، فيما تبين الآية المتقدمة أن تحريم بعض الأطعمة واللحوم على اليهود جاء عقاباً لهم وهذه الأمور ليست حراماً على غيرهم، ومن هنا يتضح أن حرمة هذه الأشياء ليست حرمة ذاتية، بل هي إن صح التعبير، حرمة عارضة أرادها الشارع المقدس عقوبة لليهود الذين يعبر القرآن عنهم بعض الأحيان ببني اسرائيل أو الذين هادوا كما هو منطوق الآية، وما يستفاد من هذا النص:
- إن العقاب الإلهي ليس ظلماً بالعباد بل إنه جزاء أعمال الناس وما ربك بظلام للعبيد.
- إن تحريم الأشياء من لدن الباري تبارك وتعالى على شكلين، تحريم دائمي لا يخص زماناً دون زمان أو مكاناً دون مكان أو قوماً دون قوم. والشكل الثاني التحريم المؤقت وهو من مقتضيات حكمة الله تعالى أيضاً وقد يختص بزمن ما أو مكان ما أو جماعة ما، كما هو الحال بالنسبة للأشياء التي حرمت على الذين هادوا والله العالم العاصم.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية التاسعة عشرة بعد المئة من سورة النحل المباركة:
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿١١٩﴾
إن هذه الآية المباركة هي من الآيات اللأساسية الخاصة بالتوبة وغفران الذنوب.
وفي هذه الآية بشرى إلهية إلى الذين يرتكبون المعاصي والآثام إنسياباً وراء هوى النفس من أن باب التوبة مفتوح.
إن من يرتكب المعصية ثم يندم على ما فعل ويطلب المغفرة من الله فإن الله يستجيب دعاءه ويغفر زلته ويشمله برحمته الواسعة، ذلك أن الله تبارك وتعالى هو التواب الرحيم والغفور الكريم.
والملفت للنظر أن هذا النص وآيتين آخرتين وردتا في القرآن الكريم قد أشارت إلى ارتكاب المعصية عن جهالة. ومن الواضح أن المراد من الجهالة ليس الجهل أو عدم العلم، إن المراد من ارتكاب الأعمال عن جهالة هو أن الإنسان يعلم سوء العمل، لكن يقبل عليه تلبية هوى النفس أو وساوس، ومن بعد ذلك يشعر بالحسرة والندم، ومن الواضح أن من يصر على ركوب المعصية وارتكاب الإثم، لاتشمله الرحمة الربانية وليس له من توبة.
وما نتعلمه من هذا النص:
- ليس في الإسلام طريق مسدود والله تعالى بفضله ورحمته فتح باب التوبة أمام الجميع وطوبى للتائبين لأن الله يحب التوابين.
- إن التوبة الحقيقية هي التي تكون مقرونة بإصلاح ما فسد وليس من التوبة ذرف الدموع في الظاهر أو ترديد كلمات الندم بواسطة اللسان فقط.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لمراضيه ويجعل مستقبل أمرنا خيراً من ماضيه آمين يا رب العالمين.
طبتم وطابت أوقاتكم والسلام عليكم حضرات المستمعين الأفاضل ورحمة الله وبركاته.