بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين النبي الصادق الأمين أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. السلام عليكم أيها المستمعون الكرام، وأهلاً بكم في حلقة أخرى وجديدة من سلسلة حلقات برنامج نهج الحياة حيث نقدم لكم تفسيراً موجزاً لآيات أخرى من سورة النحل المباركة والتي أنهينا حتى الآن تفسير 92 آية منها، والآن نستمع الى تلاوة الآية الثالثة والتسعين، حيث يقول جل شأنه:
وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٩٣﴾
تشير هذه الآية المباركة الى قاعدة أساسية فيما يخص العلاقة بين الله تعالى والإنسان، ذلك أن ما تبينه لنا هذه الآية هو أن الباري تعالى ما أراد للناس أن يؤمنوا كرهاً وجبراً. نعم.. لقد اقتضت إرادة الله تعالى أن يكون الإنسان حراً في اختيار الدين والعقيدة التي يشاء، لكن لا ريب ولا شك في أن الناس على مسالك في التفكير متفاوتة، ومن هنا فهم ليسوا على دين واحد بل أديان عدة، وبالطبع فإن الله تعالى قد وفر أجواء الهداية أمام الجميع، وهذه الهداية الربانية إما فطرية وعقلية وإما بواسطة إرشاد الرسل والأنبياء عليهم السلام، وهذا هو مفهوم الحجة الظاهرة والباطنة الذي ورد في العديد من الأحاديث، ومن ذلك حديث للإمام الكاظم صلوات الله وسلامه عليه. وهكذا ومع عدم وجود الجبر في التصرفات فإن في مقدور الإنسان، وهو القادر على تمييز الحق عن الباطل، ينساب وراء الباطل، ومن يريد الصراط المستقيم فإن الله معه وناصره لأنه الحق والله تعالى يريد الحق ويبغض الباطل، هذا وإن كون الإنسان مختاراً لا يعني عدم تحمله المسؤولية أمام الله عما يفعله في حياته الدنيوية، إذ الله تعالى سائله عن ذلك وأن الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب وفي الشبهات عتاب، كما ورد عن مولى الموالي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة والسلام.
والذي نستفيده من هذا النص هو:
- من سنن الله تعالى في الناس، حق الإختيار والحياة الحرة.
- أعمال الإنسان صغيرها وكبيرها يسأل عنها في يوم الجزاء وهذا هو المدلول الذي تشير إليه الآية المباركة الناطقة بلسان الناس، [ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها].
والآن نستمع الى تلاوة الآيتين الرابعة والتسعين والخامسة والتسعين من سورة النحل المباركة:
وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ ۖ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿٩٤﴾
وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّـهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ إِنَّمَا عِندَ اللَّـهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٩٥﴾
إن القسم لتحقيق أغراض دنيوية وغير مقبولة، غير مقبول وكيفما كان فالقسم مكروه إن كان الحالف صادقاً، وحرام إن كان الحالف كاذباً، وهذا النمط من التعامل مع المقدسات الدينية فيه تضعيف لعقائد الناس.
نعم.. يخاطب القرآن الكريم الناس بالقول لا تشتروا بعهد الله ثمناً قليلاً، إن ما عند الله خير لكم إن كنتم تعلمون.
وما يفيده إيانا هذا النص الكريم:
- إن بعض الذنوب تكون أسباباً لارتكاب معاصي وذنوب أخرى، ومن هنا لابد من التعرف على الذنوب التي هي مفاتيح المعاصي الأخرى والحؤول دون إشاعتها في المجتمع.
- لابد من الحؤول كذلك دون أي عمل من شأنه إضعاف الدين حتى وإن كان ذلك العمل صغيراً.
ويقول تعالى في الآية السادسة والتسعين من سورة النحل المباركة:
مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّـهِ بَاقٍ ۗ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿٩٦﴾
في الحقيقة لابد من القول هنا أن المؤمنين على قسمين قسم ترسخ الإيمان في قلبه وهو كالطود الأشم لا يهزه شيء وقسم دخل الإيمان قلبه إلّا أنه إيمان مزلزل، هذا النوع من الناس يبيع الآخرة من أجل الدنيا ولاريب أن الآخرة خير وأبقى، ولنا أن نسأل ما جدوى هذا العمل؟ إن الإنسان لا يعمر في الدنيا كثيراً وإن حياته فيها إلى زوال، فلماذا هذا التكالب عليها؟ نعم.. التجارة الرابحة هي التي تكون مع الله، ذلك أن ما عند الله باق لايزول.
ومن الواضح الذي لا حاجة معه الى بيان أن الإنعتاق من ربقة الدنيا وملذاتها المحرمة ليس بالأمر الهين ولابد معه من الصبر والإستقامة، إن الإستقامة لها يوم القيامة الثواب الأكبر. نعم.. هذا الثواب لا يلقاه إلّا الذين صبروا وثبتوا في قبال زخرف الدنيا ولم تملكهم بها رجها.
نعم.. هذا أمير المؤمنين وسيد الوصيين عليه الصلاة والسلام يخاطب الدنيا بقوله:
[يا دنيا اليك عني، غري غيري، هيهات هيهات، قد طلقتك ثلاثة لا رجعة فيها، فعيشك حقير، وعمرك قصير وخطبك كبير، آه من قلة الزاد وبعد السفر].
والى الدروس المستفادة من النص وهي:
- إن الثبات على عهد الله صعب ويحتاج الى محاربة هوى النفس.
- إن أفضل تجارة هي التجارة مع الله، إنه تعالى يشتري القليل بالكثير وهذا من كرمه وفضله تعالى ربنا اللطيف الخبير.
طبتم وطابت أوقاتكم حضرات المستمعين والى اللقاء والسلام عليكم.