بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم سيدنا محمد بن عبد الله وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم في كل مكان وأهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة، حيث نتابع تفسير آيات أخرى من سورة النحل المباركة، ونبدأ بالآية التسعين من هذه السورة، حيث يقول جل شأنه:
إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿٩٠﴾
هذه الآية الجامعة تحدد لنا معالم العلاقات بين المؤمنين في الدنيا، وإنها لابد أن تقوم على أساس العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى واجتناب الفحشاء والمنكر والبغي، والعدل والعدالة أمر مهم وأساسي في الشريعة الإسلامية الغراء، ذلك أن الله تعالى لا يظلم أحداً ولا يسمح بأن يظلم الناس بعضهم بعضاً.
الظلم أمر قبيح ومذموم والله سبحانه وتعالى لايفعل القبيح، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ولنا أن نسير وفق هذه الحركة الربانية المباركة في إقامة العدل، أليس قد ورد في الحديث الشريف [تخلقوا بأخلاق الله]؟
إن من لوازم مراعاة العدالة وإجرائها الإبتعاد عن كل إفراط وتفريط في القول والعمل وهذا السلوك يقود الى حالة من التوازن في العلاقات الفردية والإجتماعية.
على أنه لابد من الإشارة هنا الى أن الإنسان في بعض الأحيان قد يتفوق على العدل في تعامله مع الآخرين، فإذا كان العدل مثلاً يستلزم أن يقتص من أحد فإنه بدلاً من القصاص يختار الصفح والعفو.
والصفح والعفو من مصاديق الإحسان الذي ورد في الآية المباركة، وهذه الخصلة الطيبة هي من اخلاق الله تعالى، ومن جانب آخر فإن الباري تبارك وتعالى قد حدد في هذا النص، النهج السليم لحماية المجتمع وتوفير الأمن لأفراده حينما منع ونهى تعالى عن الفحشاء والمنكر، والعقل السليم يأبى الفحشاء ويأبى المنكر وهما بلا أدنى ريب خلاف الفطرة البشرية.
والى الدروس المستقاة من هذه الآية الشريفة التي يمكن أن نحملها في النقاط الثلاث التالية:
- من أجل الحفاظ على ودية العلاقات بين أفراد المجتمع لابد من الإحسان الى جانب مراعاة العدل.
- إن التعاليم الدينية تتطابق مع العقل السليم والفطرة السليمة، إن العدل والإحسان والإبتعاد عن الفحشاء والمنكر هي أمور تتوق لها النفس البشرية الصالحة وأن الدين الحنيف يأمرنا بذلك.
- لا ينبغي أن نتوقع في أداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يقبل الناس كافة بذلك.
والآن نستمع الى تلاوة الآيتين الحادية والتسعين والثانية والتسعين من سورة النحل المباركة:
وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّـهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّـهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴿٩١﴾
وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ ۚ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّـهُ بِهِ ۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴿٩٢﴾
الآية التي سبقت هاتين الآيتين أوضحت لنا الأصول والأسس العامة في التعامل الإجتماعي، حيث جعلت العدل والإحسان والنأي عن الفحشاء والمنكر، أساس العلاقات الإجتماعية السليمة ويأتي هذا النص الشريف لبيان موضوع مهم وهو الوفاء بالعهد، سواء كان طرف العهد الله تعالى أو أحد الناس.
وعلى هذا الأساس لابد مثلاً من الإيفاء بالنذر لله تعالى بعد أن ينال الإنسان حاجته من لدن الله تعالى، والوفاء بالعهد أمر لازم في العهود الإجتماعية والإقتصادية، وهناك مسألة اخرى لابد من التنويه إليها هنا وهي الحلف والقسم، فالحلف والقسم من وجهة نظر الشرع الشريف لا ينعقد إلّا باسم الله تعالى أو لفظ الجلالة، والقسم إذا كان صادقاً مكروه وإن كان كاذباً فهو حرام بلا إشكال، ومن هنا نهى الشارع المقدس عن القسم كذباً وحث على عدم القسم عندما لاتكون هناك ضرورة له، ويبدو هذا المعنى واضحاً من قوله تعالى [لاتجعلوا الله عرضة لأيمانكم].
ويدعو النص الشريف الى عدم ظلم الناس في حال ما وصل أحد الى القوة والسلطة، على أن لعهد الله تعالى مصاديق اجتماعية عديدة، منها بل أهمها اتباع أولياء الله والقادة الربانيين، ذلك أن أولياء الله من الأنبياء والأئمة عليهم الصلاة والسلام هم خلفاء الله في الأرض.
وما يفيده لنا هذا النص الشريف هو:
- إن عدم الوفاء بالعهد عمل غير أخلاقي وله يوم المعاد حساب.
- لا ينبغي التلاعب بالمقدسات الدينية وجعلها العياذ بالله أدوات لتحقيق أغراض غير شريفة.
- إن الوصول الى الجاه والسلطة قد يهيء الأجواء القائمة للإنحراف وعدم الوفاء بالعهد. إن السلطة امتحان ليس إلّا، وعلى الإنسان أن يخرج من هذا الإمتحان الإلهي مرفوع الرأس.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعاملنا بفضله ولا يعاملنا بعدله إذ في هذا الفضل ما هو فوق العدل، كما نسأله سبحانه أن يوفقنا لطاعته ويجنبنا معصيته، إنه الكريم المنان.
حضرات المستمعين الأفاضل، هكذا انهينا حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة، طبتم وطابت أوقاتكم والسلام خير ختام.