بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله أولياء الله، واللعن على أعدائهم أعداء الله من الآن الى يوم الله.
طبتم وطابت أوقاتكم بكل خير حضرات المستمعين الأكارم وأهلاً بكم في لقاء قرآني جديد من نهج الحياة، وما زلنا وإياكم في أجواء مقدسة من سورة النحل المباركة، حيث وصلنا الى الآية الثالثة والسبعين، والآن نستمع الى تلاوة هذه الآية والآية التي تليها:
وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ ﴿٧٣﴾
فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّـهِ الْأَمْثَالَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴿٧٤﴾
إن نعم الله تبارك وتعالى على الإنسان جمة وكثيرة، لكن البعض من الناس يكفرون بنعم الله ولا يشكرونه سبحانه وتعالى. وفي هذا النص القرآني إشارة الى عقيدة الشرك وعبادة الأصنام من دون الله، إذ في تصور المشركين أن هذه الأصنام لها تأثير في حياتهم وفي مصيرهم أو في توقير الرزق لهم، والرزق إنما هو من عند الله تبارك وتعالى سواء كان من الأرض أو من السماء، والأصنام ليس لها أي فائدة أو دور في حياة الإنسان ومماته ورزقه، ومن العقائد الرائجة عند المشركين أن يجعلوا الله هو الملك والأصنام له وزراء، والله تعالى حقاً ملك الملوك، لكن ليس له من الأصنام وزراء وأنى لهذه الصامتات أن ترقى الى مرتبة القدس الإلهي؟
وما يفيد إيانا هذا النص:
- أن غير الله، مهما كان، ليس هو مبدأ رزق الإنسان، فلماذا إذن نتوجه الى غير الله تعالى؟ والحق أن الله تعالى هو الرزاق ذوالقوة المتين.
- إن العداد واللجاج هو سبب الكثير من الكفر، كما أن الجهل والخرافات هي عامل آخر في شرك الإنسان.
- ليس هناك أي شبهة بين صفات الله وصفات الآخرين، فالله تبارك وتعالى ذات مقدسة وصفاته عين ذاته، وبتعبير القرآن الكريم، ليس كمثله شيء تبارك ربنا ذوالجلال والإكرام.
والآن نستمع الى تلاوة الآيتين الخامسة والسبعين والسادسة والسبعين من سورة النحل المباركة:
ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا ۖ هَلْ يَسْتَوُونَ ۚ الْحَمْدُ لِلَّـهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٧٥﴾
وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ۖ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ۙ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿٧٦﴾
كما ذكرنا آنفاً فإن المشركين يرون أن العلاقة بين الله تعالى والأصنام هي علاقة الملك بوزرائه، لكن الله تبارك وتعالى يضرب مثلاً آخراً فيه مقارنة بين الإنسان الحر الثري والمملوك الذي ليس له شيء، الحر الثري له أن يتصرف في ملكه وثروته كيف يشاء يعطي ويمنح، أما المملوك فليس له ذلك، إذ ليس له حق التصرف في نفسه فكيف يتصرف في نفع الآخرين؟
وفي هذا المثل بيان لمكانة الله تعالى في عالم الوجود، فهو مالك كل المخلوقات ورازقها وهو سبحانه بيده أزمة الأمور وإليه يرجع كل شيء.أزمة الأمور طراً بيده والكل مستمدة من مددهوحسب التعبير القرآني فإن الأصنام هي الصم البكم لا تفهم شيئاً ولا تسمع ولا تتكلم، فكيف لها والحال هذه أن تلبي للإنسان حاجاته؟ أما الله تعالى فهو السميع البصير العليم الخبير الرؤوف الرحيم الذي يجيب دعوة الداعي إذا دعاه بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
وصراط الله تعالى هو الصراط المستقيم الذي لا إعوجاج فيه، صراط يسير بالإنسان الى الهدف المنشود؛ اللهم اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
ويستفاد من هذا النص:
- لابد من توظيف الأمثلة الصحيحة لبيان أمور الدين والأمور المعنوية، إذ في هذا نأي عن الفهم الخاطيء والسبيل المعوجة.
- إن طريق الله تعالى هي الطريق الوسطى لا إفراط ولا تفريط فيها، سواء كان على مستوى الفكر أو مستوى العمل، وهذا هو معنى الطريق المستقيم.
ويقول تعالى في الآية السابعة والسبعين من سورة النحل المباركة:
وَلِلَّـهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿٧٧﴾
كما يبدو من هذا النص الشريف إن علم الإنسان في مقابل علم الله تبارك وتعالى محدود، الإنسان له علم بهذه الأرض وهذه السماء وهذا أيضا محدود، أما علم الله تعالى فواسع لا تحده حدود، إن علم الله بالسموات والأرضين ليس كعلم الإنسان، صحيح أن الإنسان ومنذ أواسط القرن العشرين قد بدأ ارتياد الفضاء ونزل على القمر، إلا أنه مع هذا كله لم ولا يتمكن من كشف مكنونات الكون برمتها وذلك لقلة علمه والباري تعالى يقول – وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً-.
على أي حال في المعتقد الإلهي هناك يوم القيامة وإن الساعة آتية لا ريب فيها وأنه تعالى يبعث من في القبور وإليه تعالى النشور.
بفعل إرادته المتعالية كل شيء يحدث بلمح البصر، كما جاء في النص الشريف، والذي يمكن أن نستخلصه هنا أيها الأكارم هو:
- إن الله تعالى ليس عالماً بالغيب وحسب بل إنه جلت عظمته مالك الغيب، كل شيء في يد قدرته جل وعلا.
- للأرض والسموات ظاهر وباطن والله تعالى يعلم ظاهرهما وباطنهما، وفي يوم القيامة تتجلى للإنسان بإذن الله باطن الأرض والسماء.
غفر الله لنا ولكم والسلام عليكم.