بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين وسيد الأنبياء المقربين، نبي الهدى والرحمة أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته سفن النجاة ومصابيح الهدى في الهلكات. ثم السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات وأهلاً بكم في حلقة جديدة من هذا البرنامج الذي نقدم فيه تفسيراً موجزاً لآيات القرآن الكريم. ونبدأ اليوم بالآية السبعين من سورة النحل المباركة حيث يقول عزوجل:وَاللَّـهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ۚ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴿٧٠﴾
بعض الآيات التي سبقت هذه الآية المباركة تحدثت عن بعض نعم الله تعالى على الإنسان، ومن ذلك نعمة الماء والمطر والغذاء كالعسل الذي فيه لذة وشفاء للشاربين. ويأتي هذا النص المبارك متحدثاً عن خلقة الإنسان وكيف يطوي مراحل الحياة الدنيا.
إن سنة الله تعالى هي الحياة والموت لأن كل نفس ذائقة الموت وإن كل من عليها، أي على الدنيا، فان ويبقى وجه ربك ذوالجلال والإكرام، لكن آجال الخلق متفاوتة، إذ لكل أجل كتاب ومن الناس من يعمر لكنه قد يصل الى أرذل العمر، كما هو تعبير القرآن الكريم، حيث تخار القوى ويذهب من الإنسان بهائه وجماله، والله تعالى أعلم بما يفعل وهو الحكيم العليم. وإذا كان الأمر هكذا فما جدوى أن يجمع الإنسان في هذه الدنيا ما يجمع، ذلك أن أمره شاء أم أبى الى زوال.
ويروى أن الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام مرّ ذات مرة على أهل القبور فخاطبهم بالقول: (أما الدور فقد سكنت وأما الأموال فقد قسمت وأما الأزواج فقد نكحت، هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم؟) ثم إنه عليه السلام قال: (أما والله لو أذن لهم بالكلام لقالوا إن خير الزاد التقوى).
وما نستفيده من هذا النص:
- إن الموت والحياة هما بيد الله تعالى.
- إن طول العمر ليس مدعاة فخر للإنسان، فمن الناس من لا يبقى في الحياة كثيراً إلّا أن حياته هي منشأ الخير والبركة للآخرين، ومن الناس من يعمر السنين الطوال من دون أن يستفيد من عمره أو يفيد فيه الآخرين.
والآن نصغي الى الآية الحادية والسبعين من سورة النحل المباركة:
وَاللَّـهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ۚ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ۚ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّـهِ يَجْحَدُونَ ﴿٧١﴾
من حكم الله تبارك وتعالى أن جعل الناس في أرزاقهم متفاوتين، حيث أن الإختلاف في الرزق من شأنه أن يجعل جسور العلاقات الإقتصادية والإجتماعية تمتد بين الناس وتلبى حاجات المجتمع بشكل كامل وصحيح، ولعل هذا المعنى يستفاد من قوله تعالى [ليتخذ بعضهم سخرياً] أي يستفيد بعضهم من إمكانات بعض.
نعم.. في اختلاف الرزق ما يعد الأجواء لبروز الفضائل مثل السخاء والإنفاق والعطية والتواضع وكريم الصفات الأخرى.
وما نتعلمه من هذه الآية المباركة:
- إن بسط الرزق أو عدمه يرتبط باختلاف إمكانات الناس للعمل، على أن الدين الإسلامي الحنيف يحث في تعاليمه السامية الأثرياء على مساعدة الفقراء ومن ذلك قوله تعالى: [وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم]، وما ورد في الخبر [إن الله جعل في أموال الأغنياء أقوات الفقراء].
- إن ترك الإنفاق وعدم مساعدة الآخرين هو من كفران النعم، وله تبعاته السيئة على الفرد والمجتمع.
ويقول تعالى في الآية الثانية والسبعين من سورة النحل المباركة:
وَاللَّـهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّـهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ﴿٧٢﴾
بعد أن تحدثت النصوص السابقة عن خلق الإنسان وحياته وموته ورزقه، يتحدث لنا هذا النص عن تكوين الأسرة، حيث أن الله تعالى جعل للناس من أنفسهم أزواجاً ليسكنوا إليها وجعل بينهم المودة والرحمة، فالزوجة مؤنسة الزوج وهي التي تنجب الأبناء، وفي وجودها ووجود الزوج بقاء النسل وديمومته.
إن الأسرة هي الوحدة الأساسية في بناء المجتمع، وفي ظلال الوارفة للأسرة يولد الإنسان وينمو ويترعرع.
على أن تداعي أو ضعف البناء الأسري فيه الضرر البليغ على المجمتع إذ يؤدي الى تهاويه، وربما في بعض الأحيان الى تلاشيه.
والملاحظ أن الشريعة الإسلامية الغراء قد حثت كثيراً على لزوم تشييد وبناء الأسرة من خلال التشجيع على الزواج والإنجاب، ومن ذلك قول النبي الأكرم (ص) [تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة].
وفي بعض الروايات ما يؤشر الى صلاة المتزوج هي خير من صلاة الأعزب وكأن هناك علاقة بين العبادة والزواج، والذي نلاحظه لشديد الأسف أن الكيانات الأسرية في بعض المجتمعات تؤول الى التهدم والتصدع من جراء رواج العلاقات غير الأسرية بين الجنسين، ذلك أن التحلل الأخلاقي إما أن يقود الى تفكك عرى الأسرى أو منع تشكيلها بالمرة.
وما يستفاد من هذه الآية:
- في تشكيل الأسرة أرواء لرغبات الإنسان المادية والمعنوية؛ [ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة].
- إن ترك الزواج أو الحؤول دون الإنجاب بوسائل منع الحمل كاملاً هو من كفران النعم.
الله تبارك وتعالى أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى وأن نشكر نعمه وآلائه إنه تعالى خير مجيب للدعاء والسلام خير ختام.