بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين والسلام عليكم حضرات المستمعين وأهلاً بكم في حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة إذ نواصل تفسيرنا لآيات أخرى من سورة النحل المباركة ونبدأ بالآية السادسة والستين:
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ ﴿٦٦﴾
في الحلقة الماضية من هذا البرنامج ذكرنا أن من نعم الله على العباد نعمة نزول قطر السماء أو المطر، وفي هذه الآية إشارة الى نعمة أخرى من نعم الباري علينا وهي نعمة اللبن، وبقدرة الله تبارك وتعالى فإن اللبن يتكون في أثداء الحيوانات الثديية، ومنها الأبقار، وإن هذا اللبن هو غذاء خالص لا تشربه الشوائب، وكأن هذه المادة الغذائية المهمة تخرج لنا من مصفاة في داخل أجسام الأبقار وغيرها فتكون للإنسان طعاماً طيباً؛ وقد ثبت من الناحية العلمية أن مادة الحليب التي يدخل الماء في تركيبها بنسبة كبيرة، تحوي مواد غذائية مهمة بدءاً من الفيتامينات وانتهاءاً بعناصر غذائية ومواد معدنية مهمة مثل الفسفور والكالسيوم التي تكون مفيدة لنمو العظام في جسم الإنسان وتكسبها متانة.
وما نتعلمه من هذه الآية:
- إن عملية تكون اللبن في الحيوانات وخروجه طازجاً ونقياً دليل على رحمة الله تعالى الواسعة بعباده، ولنا في هذا الأمر العبرة في أن الله قادر على كل شيء وإنه تعالى بالعباد رؤوف رحيم وكريم جواد.
- إن من لوازم الإخلاص، الحركة في المجتمع وتجاوز الموانع من دون التأثر بها بما يثبط هذه الحركة أو يعيقها.
والآن نصغي الى تلاوة الآية السابعة والستين من سورة النحل:
وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴿٦٧﴾
بعد أن بيّن لنا القرآن الكريم نعمتين حيويتين من نعم الله تعالى علينا وهما الماء واللبن، يأتي هذا النص المبارك ليتحدث عن أشربة أخرى يمكن استخلاصها من عصر بعض الأثمار، ذلك أن الإنسان في مستطاعه أن يستخرج من التمور والأعناب سوائل قابلة للشرب، لكن بعض هذه السوائل مسكرة والبعض الآخر فيها نشاط لجسم الإنسان وروحه، على أن اسكار بعض المشروبات هو بسبب وجود مادة الكحول فيها، وهذه المادة تتكون عن طريق التخمير ومن هنا سمّي الشراب المسكر خمراً.
إن الله تعالى ينعم على الإنسان بكل ما هو طيب، لكن بعض الناس يبدلون نعم الله ويحيلونها الى مواد مخمرمة مثل الخمر.
ويستفاد من نص الآية السابعة والستين من سورة النحل ما يلي:
- من بين الفواكه والأثمار للعنب والتمر مكانة خاصة في غذاء الإنسان، على أن التمور والأعناب تعد مصادر ثرة لمواد غذائية عديدة تدخل في الدورة الغذائية عند الإنسان.
- كل ما يأتي عند الله طيب، ما لم يلوثه الإنسان بإدران وخبائث.
ويقول تعالى في الآيتين الثامنة والستين والتاسعة والستين من سورة النحل المباركة:
وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ﴿٦٨﴾
ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴿٦٩﴾
ومن نعم الله تبارك وتعالى علينا وما أكثرها نعمة العسل، والعسل شراب لذيذ وفيه فوائد جمة وإن الله تعالى قد أوحى الى النحل أن تتخذ بين الجبال والسهول مساكناً وتمتص من الأزهار رحيقها فتحيله الى عسل طيب المذاق.
إنه بقدرة الله تبارك اسمه، يتحول جسم النحلة الى مصفاة كبيرة تقدم لنا العسل الذي فيه شفاء للناس، وإذا كان القرآن الكريم وقبل 14 قرناً أشار الى هذا الأمر، فإن العلم والطب الحديث قد أثبتاه في عصرنا هذا، وهذا من معجزات سيد الأنبياء والرسل سيدنا محمد بن عبد الله (ص) الذي بعثه الله تعالى على حين فترة من الرسل رحمة للعالمين.
أين الإنسان بقوامه الضخم من النحلة الصغيرة؟ الإنسان يخالف أوامر الشرع ويصنع الخمر وهي مادة محرمة فيها على الجسم والصحة الأضرار الجسام، بينا النحلة تصنع بإذن الله تعالى العسل الذي فيه شفاء الأسقام؛ والعجب أن العسل مادة لايفسدها شيء في كل الحالات مادة غذائية مفيدة.
ومن الناحية العلمية فإن النحلة كما تصنع العسل تصنع كذلك مادة سامة وإن على الإنسان يتعظ من هذا الأمر ويتفكر في خلق الله ويستفاد من نعمه تعالى شأنه على النحو الأحسن.
ونتعلم من هذا النص الشريف ما يلي:
- إن سلوك الحيوانات يكون على أساس الغريزة التي أودعها الله تعالى فيهم، وكما أن الوحي الإلهي النازل على الأنبياء عليهم السلام مدعاة لهداية الناس، فإن وجود الغريزة في الحيوانات يؤدي الى سيرها السيرة الصحيحة في عالم التكوين، ومن هنا يتضح لنا قوله تعالى في النص الشريف (وأوحى ربك الى النحل).
- إن من علائم قدرة الله والمعجزات في الخلق هو النحلة الصغيرة التي تصنع العسل الذي فيه شفاء للناس.
غفر الله لنا ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.