بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الرسل الكرام نبينا محمد ابن عبد الله وأهل بيته الطاهرين، والسلام عليكم إخوة الإيمان في كل مكان، نهج الحياة يأخذنا وإياكم الى رحاب القرآن الكريم والى أحسن الحديث.
وكنا قد وصلنا في تفسيرنا الى الآية الثانية والستين من سورة النحل المباركة، حيث تتلى أولاً على مسامعكم ومن بعد ذلك يأتي تفسيرها، فلنستمع الآن الى تلاوة الآية:
وَيَجْعَلُونَ لِلَّـهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَىٰ ۖ لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ ﴿٦٢﴾
كما مر علينا في الحلقة الماضية من هذا البرنامج فإن المشركين من عرب الجاهلية كانوا يرون أن البنت هي جالبة للعار والذل والهوان، وفي المقابل كانوا يتصورون أن الملائكة بنات وهم بنات الله، ويأتي هذا النص متسائلاً كيف لهؤلاء المشركين أن يفتروا هذه الفرية ويرون أنفسهم أفضل من الله؟! تعالى الله عما يقولون.
أما ما يفيده إيانا هذا النص المبارك فهو:
- لا ينبغي أن ننسب للآخرين ما نكره نسبة لأنفسنا، فما بالك بمن ينسب الى الله تعالى ما يكره.
- لا ينبغي التعالي على الآخرين والتصور بأننا أحسن منهم وكما يقول تعالى [لا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى] صدق الله العلي العظيم.
ويقول تعالى في الآية الثالثة والستين من سورة النحل المباركة:
تَاللَّـهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿٦٣﴾
كما هو واضح في التاريخ فإن تعامل المشركين في مكة مع رسول الله (ص) كان تعاملاً سيئاً للغاية، إذ ضيقوا عليه (ص) وأتباعه لما بزغت شمس الإسلام ولما دعاهم النبي الكريم الى عقيدة التوحيد ونبذ عبادة الأصنام والتخلص من أدران الجاهلية وخرافاتها.
وقد تألم النبي الأكرم (ص) لهذا التعامل السيء، ومن هنا نزلت هذه الآية المباركة لتبين أن هذا التعامل ليس الأول من نوعه في تاريخ الأنبياء عليهم السلام، حيث واجه الرسل السابقون ما واجهه رسول الله (ص).
وثمة نقطة لابد من الوقوف عندها، وهي أن هذه الآية كما هو واضح من نصها، تشير الى خطر جسيم يحدق على الدوام بالإنسان، إنه خطر الشيطان الذي يزين للإنسان سوء عمله فيتصوره حسناً ولايقلع عنه وكما مر في هذا البرنامج فإن الشيطان للإنسان عدو مبين وإن سلطانه على الذين يتبعونه، أعاذنا الله وإياكم من شر الشيطان الرجيم.
وما يفيده هذا النص فهو:
- إن من سنن الله تعالى في خلقه، بعث الرسل والأنبياء عليهم السلام الى مختلف الأمم على مدى التاريخ.
- الإنسان يقع في حبائل الشيطان عندما يزين الشيطان له عمله ويظهر له سيئاته وكأنها حسنات.
ويقول تعالى في الآية الرابعة والستين من سورة النحل المباركة:
وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ۙ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿٦٤﴾
توضح لنا هذه الآية الشريفة أن القرآن الكريم هو كتاب هداية للإنسانية. نعم.. إن هذا الذكر الحكيم يهدي الإنسان الى سبيل الرشاد والسعادة ويجعله ينال رحمة الله ورضوانه وذلك هو الفوز العظيم، لكن كيف الوصول الى هدى الرحمن؟
هذا ما يتحقق من خلال تبيين النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله- لحقائق القرآن الكريم سواء من خلال خطابهم للناس مباشرة أو عبر أوصيائه وأئمة عترته الإثني عشر –صلوات الله عليهم أجمعين_.
والقرآن الكريم دليلنا القويم وهو النور الإلهي الذي يضيء لنا في جنح ظلام النفس معالم طريق الحق ويبين لنا الباطل من السبل لكي ننهج للحق طريقاً وننأى عن الباطل ودروبه المعوجة.
وما يستفاد من هذه الآية:
- إن القرآن الكريم هو المعيار لبيان الحق والباطل في الأفكار والمعتقدات.
- إن الوصول الى شاطيء الرحمة الإلهية هو من خلال السير على طريق هدايته ومن لايسلك هذا الطريق كيف له الوصول الى ذلك الشاطيء؟
ويقول تعالى في الآية الخامسة والستين من سورة النحل المباركة:
وَاللَّـهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴿٦٥﴾
بعد أن أشارت الآية السابقة الى أن طريق الهداية يبينه لنا القرآن الكريم بواسطة رسول الله وعترته الطاهرين – عليهم السلام- تأتي هذه الآية لتوضح أن الله تعالى وبواسطة نزول المطر يحيي الأرض من بعد موتها، أجل إن نزول القرآن هو كنزول الغيث، فيه حياة الإنسان إذا ما تدبر آيات الله وعمل بها، إن ما بين الحياة الأخروية والربيع في الطبيعة تشابه، إذ في فصل الربيع من كل عام تخضر النباتات من جديد وتفوق الطبيعة من سباتها، وهكذا الإنسان في الآخرة يحييه الله تعالى بقدرته ويقوم من سبات قبره والله على كل شيء قدير.
وما يستفاد من هذه الآية هو:
- إن الماء أساس حياة الإنسان وسائر الموجودات وهو من أثمن وأكبر نعم الله تعالى علينا، ونزول المطر يكون كسائر الظواهر الطبيعية بإذن الله تعالى شأنه.
- إن تلاوة آيات القرآن الكريم أو الإستماع إليها فيها حياة القلوب والنفوس وهي الطريق الموصلة الى المعرفة الحقيقية.
طبتم وطابت أوقاتكم حضرات المستمعين الأفاضل والسلام عليكم.