بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وخاتم السفراء المقربين أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين لا سيما مولانا بقية الله في الأرضين (عج).
السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم وأهلا بكم في حلقة أخرى من برنامج (نهج الحياة) وتفسير آيات أخرى من سورة النحل المباركة ونبدأ بتلاوة الآيتين الثامنة والخمسين والتاسعة والخمسين من هذه السورة:
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ﴿٥٨﴾
يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴿٥٩﴾
في الحلقة الماضية من هذا البرنامج ذكرنا أن من عقائد المشركين الخرافية، اعتقادهم بأن الملائكة هم بنات الله. ويأتي هذا النص ليوضح لنا أن البنت كانت عند عرب الجاهلية مدعاة للعار والفضيحة، وكما هو منطوق الآية المباركة إذا ما بشّر أحدهم بالأنثى إسود وجهه وأصبح حزين غاية الأمر إنه يكظم غيظه من سوء ما بشر به كان يتوارى عن قومه لئلا يعيرونه لأن امرأته ولدت له أنثى.
وفي مثل هذه الأجواء القائمة على الخرافة، كان لابد للرجل الذي رزقه الله بنتاً أن يتخلص منها وذلك بدفنها في التراب وهي حية، وهذه العادة عرفت بعادة وأد البنات. وكما جاء في تاريخ العرب قبل الإسلام فإن القبائل العربية كانت في الغالب في قتال ونزاع، ومن هنا كانت تحتاج الى الرجال والفتيان لا الى النساء والفتيات، حيث إن الفتاة لا قدرة لها على خوض غمار الحرب، ومن الممكن في مقابل ذلك أن تقع في أسر الأعداء الذين يجعلون منها جارية يملكونها ويقضون معها نزواتهم، لكن مع كل ما ذكر، لايوجد وجه لتبرير هذه الخرافة، أي وأد البنات، وقد كرم الإسلام الفتاة وكرمها رسول الله (ص) وتجلى ذلك لحبه الشديد لبضعته وقرة عينه وثمرة فؤاده وروحه التي بين جنبيه أي الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء سلام الله عليها.
نعم.. القرآن الكريم يرفض عقيدة وأد البنات ويرى أنه قتل بلا ذنب، وذاك قوله تعالى [ وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت].
وما يستفاد من هذا النص:
- إذا كانت بعض المجتمعات الى اليوم تفضل الولد على البنت فلابد من القول أن إنكار الجاهلية لاتزال حية فيها.
- إن للخرافات والأفكار الخاطئة دور مؤثر عند البعض يكونون معه على استعداد لتجاهل بديهيات الأصول الإنسانية.
- إن الأديان السماوية لاسيما الإسلام أدانت وبشدة العقائد الخرافية فيما يخص الفتاة والمرأة.
والآن نستمع الى تلاوة الآية الستين من سورة النحل المباركة:
لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ ۖ وَلِلَّـهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿٦٠﴾
الذي يوضحه هذا النص الكريم أن السبب في ظهور العقائد الخرافية هو الإبتعاد عن الإيمان بالحياة الآخرة، والإيمان بشكل عام ذلك أن الإنسان المؤمن لايسمح لنفسه أن تتعدى على هدية الله تعالى وهبته، فإذا ما رزق الإنسان بنتاً فهي كالولد عطية من عند الله العزيز الوهاب، ولا ينبغي التفريط في هذه العطية.
وما يستفاد من هذا النص المبارك:
- أن الشرك والكفر هما السبب في كل الرذائل، وفي المقابل تنبع الفضائل من منبع الإيمان والإخلاص.
- إن العزة والقدرة وكل الكمالات هي لله تعالى شأنه والإنسان من أجل الوصول الى الكمال لابد أن يتصف بحسن الصفات وجميلها.
ويقول تعالى في الآية الحادية والستين من سورة النحل المباركة:
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّـهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴿٦١﴾
في هذه الآية الشريفة إشارة الى قاعدتين أساسيتين في سنة الله تبارك وتعالى، حيث تبين لنا أن إمهال المذنبين من قبل الله هو من سننه في الخلق لا لتجاهل منه – حاشاه تعالى – وبعبارة أخرى لو أن الله تبارك وتعالى يعاقب المذنب على ذنبه آنيّاً فإنه والحال هذه لايبقى على وجه الأرض من أحد وتنتهي الحياة عليها.
إذن الله تعالى يمهل ولايهمل وهذه المهلة لبعض في الدنيا ولبعض آخر حتى تقوم الساعة حسبما يريد تعالى ويشاء.
ومن سنن الله في الخلق أنه يمهل الى زمن وأجل معين، نعم إن الأجل إذا جاء فلا يمكن تأخيره كما أنه لا يتقدم، إذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون، والأجل هو حارس الإنسان حتى ساعة موته، أليس مولانا امير المؤمنين وإمام المتقين علي بن ابي طالب صلوات الله وسلامه عليه يقول [كفى بالأجل حارساً] وتشير هذه الآية الى الدور المدمر والمخرب للإثم والمعصية، ذلك أن ذنوب الناس لا تؤدي إلى هلاكهم فقط بل قد تهدد هذه الذنوب سائر الخلائق والكائنات الحية وكمثال على هذا أن الإنسان إذا ما صنع سلاحاً مدمراً مثل السلاح النووي فإنه بعمله هذا ارتكب ذنباً، وإذا ما استخدم هذا السلاح لحق الدمار بالآخرين من الناس.
وما يستفاد من هذه الآية من دروس فهي:
- إن الظلم سواء كان ظلم النفس أو ظلم الآخرين، يقود الى الهلاك، لكن إذا ما تاب الإنسان من بعد ظلمه فإن الله غفور رحيم.
- إن الله تعالى بإمهاله المذنبين والظالمين، لا تعني أن الله غافل عما يفعل هؤلاء أو أن هؤلاء على حق، ذلك أن الله يفعل ذلك بحكمته والله يعلم وأنتم لا تعلمون، وبيده الأمر وهو على كل شيء قدير.
نسأل الله حسن العاقبة والتوفيق لمرضاته والسلام خير ختام.