بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله وسيد رسله سيدنا ونبينا محمد ابن عبد الله وعلى أهل بيته الطاهرين الهداة الى الله. السلام على أخوة الإيمان في كل مكان، مرة أخرى نجتمع وإياكم في رحاب القرآن الكريم حيث نواصل تفسيرنا الموجز لآيات أخرى من سورة النحل ونبدأ بالآيتين الثالثة والخمسين والرابعة والخمسين من هذه السورة المباركة حيث يقول تعالى شأنه:
وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ ۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴿٥٣﴾ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴿٥٤﴾
تؤكد هاتان الآيتان والذي جاء مضمونهما في العديد من آيات القرآن الكريم الأخرى تؤكد على موضوعين، أحدهما أن كل النعم التي هي في عالم الوجود هي من فيض الله تعالى بما في ذلك النعم الجسمانية والنعم الطبيعية، مثل الماء والنبات والتراب والأنعام والأرض والسماء، وبعد كل هذه النعم التي حباها الله الإنسان لماذا الشرك بالله وجعل الأنداد له؟
ثم إنه لابد من القول هنا أن طاعة غير الله الى جانب طاعة الله هو على حد الشرك به تعالى شأنه.
أما موضوع الثاني الذي جاء التأكيد عليه في هذا النص الشريف هو أن الإنسان إذا ما المت به الشدائد مثل كوارث الطبيعة أو الأمراض والمصائب يلجأ الى الله تعالى بعدما يركبه الحزن وتخيم على نفسه سحب الأسى والشجون.
وبعد أن يزيل الله بلطفه ورحمته الشدة وينعم على الإنسان بالفرج واليسر بعد العسر، نراه وبدلاً من أن يشكر الله تعالى، ينسى ربه ويرى كأن الآخرين هم الذين كشفوا شدته وهذا الأمر في ذات نفسه شرك بالله العظيم.
وما يفيده إيانا هذا النص هو:
- لابد من أن نحافظ على إيماننا في الشدة والرخاء ونرى الله تعالى هو المعين لنا في كل الأمور.
- ينبغي من أن لانغفل عن ذكر الله حينما نكون في الرخاء إذ ما جدوى ذكر الله في الشدائد فقط؟
والى الآية الخامسة والخمسين من سورة النحل حيث يقول جل شأنه:
لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ ۚ فَتَمَتَّعُوا ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿٥٥﴾
في هذه الآية المباركة إشارة الى أن من نتائج الشرك بالله تعالى حين وجود النعم أو بعد زوال الشدائد، عدم الشكر للباري والكفر بنعمه الوافرة، ومن الطبيعي أن الإنسان في مثل هذه الحالة يناله غضب الله ليس في الحياة الدنيا بل وفي الآخرة كذلك، نعم.. في مثل هذه الحالة يعيش الإنسان في أجواء النعم ولكن من دون أن يرقى الى السعادة وتكون بالتالي هذه النعم سبب نزول النقم عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وما نأخذه من دروس من هذا النص:
- إن كفران النعم شرك يستتبع غضب الله.
- إن من فضل الله على الإنسان أن تدوم النعم عليه مع عدم شكره الباري، لكن في دوام هذه النعمة تمكن الفرصة للعودة الى الله والإنابة اليه.
والآن نستمع الى تلاوة الآيتين السادسة والخمسين والسابعة والخمسين من سورة النحل المباركة:
وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ ۗ تَاللَّـهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ ﴿٥٦﴾
وَيَجْعَلُونَ لِلَّـهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ ۙ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ ﴿٥٧﴾
تشير هاتان الآيتان الى أن عقائد المشركين، عقائد غير حقة مازجتها الخرافات والأباطيل وإن المشركين يخصصون بعض النعم الإلهية الى الأصنام ومعابد الأصنام، إن هذا العمل يستلزم من المشركين جواباً أمام الله، إذ بأي مبرر يقدمون هذه النعم الى غير الله مما هم عليه عاكفون وله عابدون؟
وكما يبدو من هذا النص الشريف فإن المشركين كانوا يرون أن الملائكة بنات الله، وفي هذا الإعتقاد الباطل انحرافات ثلاثة؛ الإنحراف الأول أنهم جعلوا لله ولد والله تعالى منزه عن ذلك فهو جل شأنه، وكما يقول القرآن الكريم لم يلد ولم يولد. الإنحراف الثاني هو أن المشركين كانوا يتصورون أن الملائكة من الإناث والحق إنه لا مؤنث ولا مذكر في الملائكة. الإنحراف الثالث كان المشركون يتصورون أن البنت والفتاة هي مصدر للعار والفضيحة، ومن هنا راجت عندهم عادة وأد البنات، وإذا كانت الفتاة عندهم مصدر عار فلماذا ينسبونها الى الله؟
نعم.. هذه هي أكاذيب المشركين، وأنّا لهم أن يجدوا لها مخرجاً أو مبرراً؟
والآن الى الدروس المستقاء من هذا النص الشريف، فهي:
- لابد من إنفاق نعم الله في سبيله تعالى لا في سبيل الكفر والشرك.
- إن التوجه الى الأشياء التي لا تفيد ولا تضر مثل الأصنام، علاوة على كونه شركاً هو نوع من الإفتراء على الله تعالى.
- إن لطف الله في الدنيا يشمل الجميع من المؤمنين والكفار، فالله تعالى يفيض من رحمته الرحمانية على الكل من دون استثناء.
الله سبحانه وتعالى أن يهدينا سواء السبيل ويوفقنا لشكر نعمه وحمد آلائه إنه السميع المجيب والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.