بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وآله الغر الميامين.
أهلا بكم مستمعينا الأكارم في حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة وخير بداية تلاوة للآيتين الثامنة والثلاثين والتاسعة والثلاثين من سورة النحل المباركة:
وَأَقْسَمُوا بِاللَّـهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ لَا يَبْعَثُ اللَّـهُ مَن يَمُوتُ ۚ بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٣٨﴾
لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ ﴿٣٩﴾
بينت الآيات السابقة أن رؤوس الكفر والشرك والعناد قد تمادوا في كفرهم وغيهم ورفضوا قبول الحق والحقيقة وهكذا سدوا طريق الهداية أمامهم وحرموا من رحمة الله الواسعة.
أما النص الذي استمعتم اليه، فيبين أن هؤلاء الكفار يرون أن الموت هو نهاية الطريق وأن الله تعالى لا يحيي الناس من بعد موتهم وإن ملف حياة الإنسان يطوي في هذه الدنيا وعلى حسب هذه العقيدة غير الصائبة، فإن الكفار لايؤمنون بالقيامة والمعاد ويوم الدين. لكن الساعة آتية لاريب فيها وإن الله يبعث من في القبور وكل الناس ساترون الى يوم لاينفع فيه مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
إن الكفار، ولإثبات مدعاهم في نفي المعاد، يقسمون بالله العظيم، وفي ذلك إشارة الى أن الإيمان بالله الخالق أمر لايمكن إنكاره، ولكن الملاحظ في عقائد الكفار والمشركين، إنهم ليسوا على معرفة حقيقية بالواحد الأحد وهذا الفهم الخاطيء هو الذي يقود الى الشرك والإنحراف وعدم الإعتقاد بالمعاد، نعم إن الله تعالى خلق الكون وخلق الإنسان وجعل له الدنيا والآخرة، إنه لم يترك الخلق وشأنه بل يحاسب الإنسان على ما يفعل، ومن هنا يثبت أن من بعد الموت حياة وحساب وإن الإنسان يرى ما قدمت يداه، إن خيراً فخير وإن شرا فشر.
وفي يوم القيامة تتضح كل الأمور وتبين أن الأنبياء والرسل عليهم السلام هم على الحق، ومن خالفهم على الباطل، لكن ما جدوى من خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين؟
وما نتعلمه من هذا النص:
- أن قيام يوم الدين وإحياء الموتى هو وعد الله الحق وأنه لا ينفصل عن الإيمان به تعالى، ومن هنا فإن المعاد هو ثالث أصل في أصول الدين بعد التوحيد والنبوة.
- إن البعض ينكر المعاد عناداً، لكن أكثر المؤمنين هم جاهلون.
ويقول تعالى في الآية الأربعين من سورة النحل المباركة:
إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴿٤٠﴾
إن هذه الآية الشريفة على رغم قصرها، تعد من غرر آيات الذكر الحكيم، وتبين بإيجاز دور إرادة الله تعالى في الخلق وفي التكوين.
إن مبحث الإرادة من المباحث المهمة في علم الكلام وهو مبحث واسع ومهم، وإرادة الله تعالى تكوينية وتشريعية، والمراد من الإرادة التكوينية، أن الله تعالى بقدرته الواسعة فعال لما يريد وأنه تعالى إذا أراد شيئاً يقول له كن فيكون.
وعلى أي حال فإن هذا النص القرآني إنما جاء ليقرب المعنى المراد من الإرادة التكوينية الى أذهان الناس، وبعبارة أخرى إن الله تعالى ليس بحاجة لأن يقول أو لايقول إذ أن إرادة نافذة ومشيئة فاعلة في الكون برمته.
وما يمكن أن نستقرأه في هذا النص:
- ليس ثمة مسوغ للشك في يوم المعاد ويوم الدين، ذلك أن الله تعالى قادر وعلى كل شيئ قدير، إنه تعالى يحيي العظام وهي رميم.
- أن الله تعالى الذي يخلق الموجودات بإرادته قادر على إعادة خلقها يوم الحساب.
ويقول تعالى في الآيتين الحادية والأربعين والثانية والأربعين من سورة النحل المباركة:
وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّـهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴿٤١﴾
الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿٤٢﴾
إن أحد الواجبات التي يكلف بها الإسلام اتباعه، الهجرة في سبيل الله تعالى لصون الدين وإن لنا في رسول الله (ص) قدوة حسنة، فهو (ص) وبعد 13 عاماً من بعثته المباركة ومن أجل الذود عن حياض الدين، هاجر من مكة الى المدينة.
والإنسان المؤمن لابد أن يسير على هذا النهج الوضاء فلا يدع الكافرين يظلمونه بل يتخلص من هذا الظلم بالهجرة، حتى أن هناك نصاً قرآنياً يقول لمن تقاعس عن الهجرة؛ ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها.
إن من يهاجر في الدنيا، تكون لهجرته فائدة، إذ فيها الثبات على الدين وفي الآخرة للهجرة الأجر الجزيل، ولقد أثبت لنا التاريخ كيف أن النبي (ص) وأصحابه قد كان لهم النصر والظفر بإذن الله تعالى من بعد هجرتهم.
والى الدروس المستقاة من هذا النص الشريف، حيث يمكن أن نوجزها في النقاط الثلاث التالية وهي:
- في حال عدم التمكن من الوقوف بوجه الظلم والظالمين، لاينبغي السكوت والمكوث في أرض الظلم، بل الهجرة هنا هي السبيل الأمثل للتخلص من الظلم.
- للوقوف بوجه الظالمين لابد من التوكل على الله تعالى، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، ولا معنى للإتكاء على القوى الأجنبية، فهي أعجز من أن تمدنا بالنصر والمؤازرة، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم.
- في الهجرة من الوطن والنأي عن الأهل صعوبات، لكن تحمل هذه الصعوبات فيه الثواب العظيم، ومن بعد الشدة يأتي الفرج والله كافٍ عباده فهو نعم المولى ونعم النصير.
اللهم عليك توكلنا واليك أنبنا فخذ بأيدينا الى سواء السبيل وتفضل علينا من فيض رحمتك يا أرحم الراحمين.
هكذا حضرات المستمعين الأفاضل انتهت هذه الحلقة من نهج الحياة، الى اللقاء والسلام خير ختام.