بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الأنبياء والمرسلين، سيد الأولين والآخرين نبينا محمد بن عبد الله وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على من عاداهم الى قيام يوم الدين، والسلام على إخوة الإيمان وأخواته في كل مكان؛ مرة أخرى نلتقيكم على الهدى والنور في رحاب القرآن الكريم وتفسير سهل يسير لآياته المباركات، وها قد وصلنا الى الآية الخامسة والثلاثين من سورة النحل المباركة، حيث نستمع لتلاوتها أولا:
وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴿٣٥﴾
على مدى التاريخ البشري كان مفهوم الجبر هو أحد السبل التي يبررها الكفار والمشركون أعمالهم وعقائدهم، وبعابرة أوضح كان المشركون يقولون أن الله هو الذي أراد أن نعبد الأصنام من دونه ولو كان أراد لنا عبادته لعبدناه، لكن هذا الإدعاء خلاف الواقع، ذلك أن الله تباركت أسماؤه عندما خلق الإنسان وهب له العقل ومنحه الإرادة وأعطاه حق الإختيار.
أجل الإنسان ليس مجبورا في أفعاله وأقواله وليس له كامل الإختيار في التصرف في هذا الكون، بل إن أفعاله وأقواله هي الأمر بين الأمرين الذي أشار اليه الصادق عليه السلام في قوله لاجبر ولاتفويض إنما أمر بين الأمرين.
والله سبحانه وتعالى بعث الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام مبشرين ومنذرين من الغواية والضلال، وإذا كان لله حجتان كما يقول الإمام الكاظم عليه السلام، فإن الرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام الحجة الظاهرة، والعقل الحجة الباطنة، فمن بعد هذا أين الجبر يا ترى؟ الله تعالى لا يجبر أحداً على الإيمان ولا يجبر أحداً على الشرك به، والذي نستفيده من هذا النص هو:
- أن تبرير فاسد الأعمال وسيئها أسوأ من الأعمال هذه لأن هذا التبرير يسد باب التوبة، فبعد أن يزين للإنسان عمله ويتصور أنه صحيح لا يتخذ للتوبة سبيلاً.
- إن واجب الأنبياء والرسل سلام الله عليهم الهداية والإرشاد لا إجبار الناس على قبول الدين.
والآن نستمع الى تلاوة الآية السادسة والثلاثين من سورة النحل، حيث يقول تعالى:
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّـهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴿٣٦﴾
يأتي هذا النص القرآني الشريف ليبين أن الله تبارك وتعالى لم يترك الخلق وشأنهم من بعد أن خلقهم، بل أنه تباركت أسماؤه بعث في كل أمة منها رسولاً لهدايتها الى الصراط المستقيم، حيث أنه جلت قدرته، ومن زمن آدم حتى بعثة الرسول الخاتم، بعث 124 ألف نبي ورسول – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- والصراط المستقيم هو العبودية لله وطاعته وعدم طاعته الظالمين والطواغيت.
ومن الواضح أن من سلك سبيل الأنبياء (ع)، هدي الى سواء السبيل، اما الذين يكذبون الحق ولايقبلون به، إنما هم في الضلالة يسيرون، وهكذا يتضح لنا أن الهداية والضلال هما حسب اختيار الإنسان، لا جبرا من قبل الله، نعوذ بالله من قبول السوء، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والى بعض الدروس المستفادة من هذا النص:
- إن في رسالة الأنبياء عليهم السلام، محاربة الحكام الظالمين والطغاة.
- ليس الدين منعزلاً عن السياسة ولا يتجانس الدين وقبول سلطة الطغاة.
- إن سنن الله تعالى حول المجتمع والتاريخ ثابتة ومقننة، وعليه يمكن من خلال السير في تاريخ الماضين، الهداية الى طريق المستقبل.
ويقول تعالى في الآية السابعة والثلاثين من سورة النحل المباركة:
إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ ۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ﴿٣٧﴾
إن هذا النص الشريف هو في صدد مواساة النبي (ص) والمؤمنين وإن هذه الآية تطلب من النبي أن لا يتألم ويأسى لانحراف المعاندين والكفار، وأن لا يتوقع في ذات الوقت أن يؤمن الناس جميعاً.
وثمة نقطة لابد من الإشارة اليها هنا وهي أن الكفار والمشركين في زمن كل نبي من أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام، يعلمون أن الحق مع وحي السماء، إلّا أنهم لعنادهم ذلك الحق يرفضون ولدرب الكفر يسلكون، هذا وإن العناد والكفر يصل في بعض الناس مرحلة لاجدوى معها من دعوتهم الى الحق، على أنه لابد من القول هنا أنه في الوقت الحاضر نشاهد من الناس من يشرك بالله جهلاً بالحقيقة، وهذا الأمر يجعل واجب المؤمنين واجباً مهماً وعلى عاتقهم مسؤولية جسيمة في إنقاذ هؤلاء من براثن الجهل والضلال. نعم، إن علينا أن نعمل على إسماع صوت الحق لهؤلاء وإن التجربة أثبتت أن الأجواء مهيأة لهداية مثل هؤلاء الضالين، وكم سمعنا ورأينا اسلام الكثير من الكفار في العصر الحاضر من نساء ورجال في بلدان الغرب، وكان إسلام هؤلاء بمثابة الولادة الجديدة.
والذي نتعلمه من هذه الآية:
- إن البعض من الناس ولشديد الأسف، يغرقون في مستنقع الكفر الآسن، حيث لايبقى من سبيل الى إنقاذهم، مثل هؤلاء لايمكن في الدنيا هدايتهم، وليس لهم في الآخرة من ناصر ومعين.
- لا داعي للتألم على حال اولئك الكفار الذين لايرتجى هدايتهم، لكن من الكفار من يمكن هدايته وعلى المسلمين أن لا يغفلوا عن هذا الأمر.
لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، والحمد لله رب العالمين والسلام خير ختام.