البث المباشر

تفسير موجز للآيات 30 الى 34 من سورة النحل

الأحد 1 مارس 2020 - 05:05 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 444

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير أبي القاسم محمد وآله الطاهرين، ثم السلام عليكم حضرات المستمعين الكرام ورحمة الله وبركاته وأهلا بكم في حلقة أخرى من هذا البرنامج القرآني حيث نتابع تفسيرنا الموجز لسورة النحل المباركة؛ والآن نستمع الى تلاوة الآيتين الثلاثين والحادية والثلاثين من هذه السورة:

وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ ۚ قَالُوا خَيْرًا ۗ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَـٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۚ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ۚ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ﴿٣٠﴾

جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْزِي اللَّـهُ الْمُتَّقِينَ ﴿٣١﴾

يتحدث هذا النص القرآني الكريم عن المتقين؛ والمتقون هم الذين لبسوا حلة التقوى وزيّن الإيمان نفوسهم فأبعدهم عن سيء الأعمال ورذائلها. وهكذا يبدو لنا أن التقوى هي من عالي الدرجات بيد أنها لا ترتقي إلى مرتبة العصمة التي للأنبياء والأوصياء عليهم السلام. المتقي من الناس قد يخطيء إلا أنه يغسل الخطأ بماء التوبة والإنابة الى الله تبارك وتعالى.

وحسب المنطق القرآني وكما هو واضح في هذا النص، فإن المتقين يرون أن الخير والسعادة هما في اتباع ما أنزل الله تعالى؛ نعم إنها سعادة الفرد والمجتمع وما أفضل ذلك وأسمى؛ إذ جعل الله ثواباً لأعمال الخير ثواباً في الدنيا وفي الآخرة، وذلك هو الثواب العظيم والفوز العظيم.

والملفت للنظر أن هذا النص تضمن تعريفاً شاملاً للدين والعقيدة أوجز في كلمة واحدة وهي كلمة (الخير).

وإذا كان البعض يرى الخير في القدرة والسلطة أو في الثروة والمال فإن أهل التقوى يرون الخير فيما أنزل الله تعالى وفي المعارف والأحكام الإلهية، فأين الخير المادي عن الخير المعنوي؟ وأين خير الدنيا لوحدها في مقابل خير الدنيا والآخرة، والآخرة خير وأبقى.

وما نتعلمه من هذا النص المبارك:

  •   إن دعوة القرآن هي دعوة للخير الحقيقي والإحسان وأن للمحسنين من الناس أجرهم في الدنيا والآخرة ولنعم أجر المحسنين. نعم، لقد اقتضت سنة الله تعالى في خلقه أن يحصل المحسنون على ثواب أعمالهم فالله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
  •  إن من يتعفف عن المحرم من ملذات الدنيا وشهواتها، له في الآخرة الجزاء الأوفر في جنات النعيم، إذ لا لذة كلذة الآخرة وهي دائمة بفضل الله تعالى على خلاف لذة الدنيا فهي زائلة كزوالها.

والآن نستمع الى تلاوة الآية الثانية والثلاثين من سورة النحل، حيث يقول جل جلاله:

الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٣٢﴾

كما مرّ علينا في تفسير الآية الثامنة والعشرين من هذه السورة فإن القرآن اعتبر الكفار والمشركين ظالمين لأنفسهم، بينا يأتي هذا النص ليصف المؤمنين بالطيبين.

القرآن الكريم عقد لنا مقارنة بين اللحظات الأخيرة في حياة الكفار والمؤمنين، هذه اللحظات على الإنسان حينما تتوفاه الملائكة، الكافر يعاني سكرات الموت بينما المؤمن يسلم الروح الى بارئها براحة فترجع الى ربها راضية مرضية، تحييها الملائكة بالسلام وتبشر المؤمنين بالجنة، ومن الواضح أن المؤمن الحقيقي هو غير المؤمن المزيف، أو لنقل مدّعي الإيمان الذي هو ليس من الإيمان في شيء.

نعم، المؤمن الحقيقي هو من هذّب نفسه بالتقوى وسكنت الطيبة قلبه ولم يدخل الحقد فؤاده، بل في ذلك الفؤاد، النور الإلهي.

وما يستفاد من هذه الآية:

  •   الموت ليس آخر الحياة، إنه نهاية الحياة الدنيوية، ومن بعدها تبدأ الحياة البرزخية، أليس الله تعالى يقول: (ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون) صدق الله العلي العظيم.
  •  إن التحية والسلام هي من أدب السماء، وقد أكد نبي الرحمة والهدى على أهمية السلام، وروي عنه أنه (ص) قال أفشوا السلام؛ وإذا كان السلام في الشرع مستحب فإن جوابه واجب كفائي، فمن سلم على جماعة من الناس، يكفي رد أحدهم التحية.

والآن نستمع الى تلاوة الآيتين الثالثة والثلاثين والرابعة والثلاثين من سورة النحل المباركة:

هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ ۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّـهُ وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴿٣٣﴾ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٤﴾

إن الكفار والمعاندين لا يصغون الى نداء الحق ولا يقبلون بالحقيقة رغم وضوح معالمها أمام أعينهم، إنهم إذا ما تحدثوا كان حديثهم بمنأى عن المنطق.

لقد وصل عناد هؤلاء الناس الى الحد الذي رفضوا فيه الدين جملة وتفصيلاً، إنهم كانوا يقولون لو كان لله عذاب فلماذا لاينزل علينا في الدنيا؟

على أن سنة الله في خلقه هي عدم نزول العذاب في الدنيا فقط. العذاب للكفار في الآخرة وقد ينزل عليهم في الدنيا، وعلى أي حال لو كان العذاب في الدنيا وحسب لأمن كل الناس جبراً، ومثل هذا الإيمان بلا ريب لا قيمة له.

وما يمكن أن نتعلمه من هذا النص الشريف هو:

  •   أن العقاب الإلهي ليس ظلماً بحق الناس، إنه جزاء ما كسب الكفار من أعمال، لقد ظلم الكفار بكفرهم أنفسهم فحق عليهم العذاب، والله تبارك وتعالى يقول: بسم الله الرحمن الرحيم؛ وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون. صدق الله العلي العظيم.
  • من الأمور التي يجازي الله عليها في الدنيا، تحقير المقدسات الدينية والسخرية منها.

غفر الله لنا ولكم والسلام خير ختام.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة