بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا أبي القاسم المصطفى محمد وأهل بيته الغر الميامين.
السلام على أحبة القرآن في كل مكان، من طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران نقدم لكم أطيب تحية وندعوكم الى مائدة الذكر الحكيم وتفسير موجز ويسير لآيات أخرى من سورة النحل، حيث نستمع الى تلاوة للآيتين السابعة عشرة والثامنة عشرة من هذه السورة:
أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ ۗ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴿١٧﴾ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿١٨﴾
كما مر علينا في الحلقات السابقة فإن آيات سورة النحل حتى هاتين الآيتين تحدثت عن النعم الإلهية الوفيرة التي حباها الله البشر من الحيوانات والنباتات والمياه وسائر الموجودات في الأرض والسماء، ويصرح هذا النص بأن نعم الباري تبارك وتعالى لاتحدها حدود وإن الإنسان لعاجز عن إحصاء نعم ربه المتعال عليه.
وبعد كل هذا كيف يسوغ البعض لأنفسهم عبادة الأصنام والطواغيت التي لاتضر ولاتنفع؟
وجاء هذا النص الكريم ليثير هذه التساؤلات عسى أن يرعوي المشركون عن غيهم ويلبوا نداء الفطرة السليمة التي أودعها الله نفوس البشر ليجيبوا داعي السماء ومنادي الرحمة الإلهية، النبي المرسل في كل عصر وزمان.
وما يستفاد من هذا النص:
- في الدعوة الى الله تعالى وتوحيده جلت قدرته، لابد من تحريك الوجدان الإنساني، فحينما تستيقظ الفطرة في النفس، تهفر النفس الى الإيمان تلقائياً.
- إن معرفة الله تعالى أمر فطري يمكن أن يتحقق بتحريك هذه الفطرة.
ويقول تعالى في الآية التاسعة عشرة من سورة النحل المباركة:
وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴿١٩﴾
إن الله تبارك وتعالى هو الخالق العظيم لكل هذا الوجود، ليس كمثله شيء، صفاته الثبوتية عين ذاته المقدسة، قدرته عين ذاته وعلمه عين ذاته، وقدرته عين علمه تبارك ربنا ذوالجلال والإكرام.
وعلم الله تعالى علم واسع ومحيط، إنه سبحانه يعلم بما كان وما يكون وما هو كائن الى يوم القيامة، إنه جل وعلا يعلم السر وما يخفى، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، عالم بالغيب والشهادة، ليس فوق علمه علم وهو العلام العليم.
وليس كما يتصور البعض أن الله خلق الموجودات وتركها لحالها؛ لا، الأمر ليس كذلك، بل هو قائم على كل خلقه بعلمه.
إن الله تعالى خلق الإنسان مختاراً، ذلك أن الإنسان له الإرادة في فعل ما يشاء، بيد أن الله تعالى عالم بنوايا الإنسان وما يريد أن يفعل وإن خفي ذلك على الناس.
ومما يصلنا من هذا النص الشريف درسان هما:
- إذا يتيقن الإنسان إن الله تعالى عالم بما يفعل، فإنه يبتعد عن الشر والرذيلة مخافة أن يعاقبه الله على ذلك.
- ليس للسر والعلانية معنى في العلم الإلهي، فكل شيئ حاضر عنده ومعلوم لديه، جلت قدرته.
والآن نستمع الى تلاوة الآيتين العشرين والحادية والعشرين من سورة النحل حيث يقول تعالى شأنه:
وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴿٢٠﴾
أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴿٢١﴾
تؤكد هاتان الآيتان على ما مر في الآيات السابقة من أن المشركين يعبدون أصناماً هي من الجماد ليس فيها أي فائدة، وبعد كل هذا لنا أن نسأل كيف لهذه الأصنام دور في حياة الإنسان ومصيره؟
وقد يتصور البعض أن عبادة الأصنام كانت في العهود السابقة، ومنها العصر الجاهلي عند العرب قبل مجيئ الإسلام، وأن هذا الخطاب القرآني موجه لتلك الأمم. بيد أن الأمر ليس كذلك، ففي عالمنا المعاصر حيث المدنية الحديثة والحضارة الجديدة، نلاحظ أن مئات الملايين من الناس في أنحاء مختلفة من العالم، مثل الهند والصين وتايلاند وأجزاء من قارة إفريقيا، لايزالون يعبدون الأصنام والأوثان، يشيدون لها المعابد ويقدمون لها النذور والقرابين، يعبدونها من دون الله تبارك وتعالى.
وما يستفاد من هذا النص:
- إن المعبود الذي يستحق العبادة هو من يتميز بالحياة والقدرة والعلم وليس شيء من هذا في الأصنام، فكيف عبادتها إذن؟
- في يوم القيامة يبعث الله تعالى الأصنام لتشهد على عابديها بالكفر والضلالة، نعم هذا الأمر يتم بإذن الله وقدرته.