بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين نبينا محمد وآله الطاهرين. السلام عليكم حضرات المستمعين وأهلا بكم في حلقة أخرى وجديدة من نهج الحياة، حيث نتابع تفسيراً موجزاً لآيات أخرى من سورة النحل المباركة.
ولنستمع الآن الى تلاوة الآيتين الثانية عشرة والثالثة عشرة من هذه السورة المباركة حيث يقول تعالى:
وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴿١٢﴾
وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ﴿١٣﴾
كما مر علينا في الحلقة الماضية من هذا البرنامج، فإن الآيات السابقة من هذه السورة كانت أشارت الى بعض نعم الله تعالى التي حباها الإنسان وهو يعيش على هذه الأرض.
ويأتي هذا النص ليشير الى دور الشمس والقمر ودور الشمس خصوصاً في حدوث الليل والنهار، ذلك أن الأرض هي أحد الكواكب السيارة في المنظومة الشمسية ولها دورتان، الأولى من حول نفسها ويتأتى عنها الليل والنهار والثانية حول الشمس وتحدث بواسطتها الفصول الأربعة، والقمر هو تابع للأرض وليس له دور في اختلاف الليل والنهار، بل إنه يمر بمراحل يتحدد بواسطتها الشهر القمري وله كذلك دور في حالات المد والجزر في البحار والمحيطات.
وبالطبع إن هذا هو من لطف الله تبارك وتعالى أن جعل الوجود مسخراً للإنسان على أن تدبير أمور هذا الكون هو لله تبارك وتعالى، نعم إن دوران الأرض حول الشمس وما ينتج عنه من الفصول الأربعة، الربيع والصيف والخريف والشتاء، هو في خدمة الإنسان. ولعل في كل ما نشاهد من عظمة هذا الكون ما يومئ الى رحمة الله ورأفته الى جانب قدرته وحكمته، وفي الآية الثالثة عشرة وكما سمعتم، جاءت إشارة الى تنوع الألوان في الظواهر والمخلوقات، الأمر الذي يدل على قدرة الله تبارك وتعالى، وعلى أي حال فإن في خلق الله تعالى الدقة والجمال وكيف لايكون ذلك والله جميل ويحب الجمال.
وما نتعلمه من هذا النص:
- إن الوجود خلق من أجل الإنسان على أن تدبير كل شؤون الكون هي بيد قدرة الله جلت قدرته.
- إن من لطف الله تعالى على الإنسان تنوع الألوان في الطبيعة وهذا الأمر لم يأت صدفة.
والآن نستمع الى الآية الرابعة عشرة من سورة النحل المباركة:
وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿١٤﴾
في هذه الآية إشارة الى نعمة وجود البحار والمحيطات في حياة الإنسان، حيث أن أكثر من 70% من سطح الكرة الأرضية مغطى بالماء، وفي البحار والمحيطات تعيش أنواع عديدة من الأسماك التي تشكل مصدراً أساسياً في غذاء الإنسان، وفي البحار كذلك كنوز أخرى مثل اللؤلؤ الذي يستفاد منه في صنع أدوات الزينة للإنسان وكما هو واضح فإن البحار والمحيطات تلعب دوراً ومنذ القدم في عملية النقل لدى الإنسان، حيث تمخر السفن والبواخر عبابها وتساهم بشكل فاعل في انتقال الإنسان من مكان لآخر، وفي عملية النقل السلع والبضائع وما يزال دور النقل البحري الى اليوم فاعلاً رغم تطور وسائل النقل الأخرى من برية وجوية.
وبعد كل هذه النعم الإلهية التي سهلت حياة الإنسان ألا يبدو من الواجب على الإنسان أن يكون لله عبداً شكوراً؟
وما نستفيده من هذا النص الشريف:
- أن نعم الله على الإنسان كثيرة وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها.
- من لطف الله تعالى أن سخر الماء أياً كان نوعه لخدمة البشر.
ولنصغي الآن الى تلاوة الآيتين الخامسة عشرة والسادسة عشرة من سورة النحل المباركة:
وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴿١٥﴾
وَعَلَامَاتٍ ۚ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴿١٦﴾
في هاتين الآيتين إشارة الى دور الجبال على الأرض ودور النجوم في السماء. ويستفاد من هذا النص ونصوص قرآنية أخرى أن وجود السلاسل الجبلية على سطح الكرة الأرضية أمر ضروري لتعادل الأرض وتوازنها.
ذلك أن الجبال بما فيها من كتل صخرية ضخمة تحول دون اضطراب الأرض بسبب الضغوط الداخلية مما يوفر مكاناً هادئاً لسكنى الإنسان.
وتساهم الجبال في توفير الكهرباء بواسطة الشلالات، كما أن الجبال هي مصدر تواجد الأنهار، حيث تتبع مياه الأنهار عادة من المناطق الجبلية، وتستمر الأنهار في جريانها حتى تصب في البحار وتوفر عبر امتداداتها في السهول والمسطحات طرق ملاحة نهرية فضلاً عما تحتضنه من ثروة سمكية.
وكانت الجبال في الماضي تعد من علائم إرشاد المسافرين الى الطرق الصحيحة، حينما كانت الطرق غير معبدة، والنجوم التي تتلألأ في السماء ليلاً، وما أكثرها بفضل الله تعالى، هي من علائم الإستدلال على الطرق، والنجوم الى اليوم هي من علائم إرشاد المسافرين في البحر وفي المناطق الصحرائية.
ومما يفيدنا هذا النص الشريف:
- إن وجود الجبال الشاهقات على الأرض ليس بالصدفة، بل إنه تعالى بحكمته خلق هذه الجبال لما فيها من فوائد فخلقه تعالى ليس عبثاً إطلاقاً.
- وإذا كان الله تبارك وتعالى قد وضع للإنسان العلائم في حياته المادية، مثل الجبال والنجوم، كي ييسر له حياته، هل يعقل أحد أن يغفل هذا الخالق العظيم عن علائم الهداية المعنوية في حياة الإنسان؟
الجواب بلا أدنى ريب لا فالله تبارك وتعالى خلق الإنسان وأرشده بواسطة أنبياءه ورسله عليهم الصلاة والسلام الى صراط المستقيم.
الله تعالى الهداية للجميع؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.