بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريته سيد ولد آدم أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته سفن النجاة ومصابيح الهدى، ثم السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم ورحمة الله وبركاته، هذه حلقة أخرى من سلسلة حلقات برنامج نهج الحياة وكنا في الحلقة السابقة قد بدأنا تفسير سورة النحل المباركة وبعون الله أنهينا تفسير الآيات الست الأولى من هذه السورة الشريفة
والآن نستمع الى تلاوة الآيتين السابعة والثامنة حيث يقول تعالى:
وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ ۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴿٧﴾
وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٨﴾
كما مر علينا في سابق الآيات، فإن الباري تبارك وتعالى تحدث عن خلق السموات والأرضين وخلق الإنسان وخلق سائر الموجودات ومنها الحيوانات على اختلاف أنواعها، ويأتي هذا النص مكملاً للحديث عن فوائد الحيوانات سواء التي تستعمل لحمل الأمتعة والنقل أو تلك التي يستفاد من لحومها وألبانها.
أجل، في الماضي كانت الحيوانات مثل الجمال والخيل والبغال والحمير تشكل وسائل النقل في الطرق الخارجية والداخلية، واليوم وبعد اختراع مثل السيارات والقطارات والطائرات لاتزال الحيوانات تعد من وسائل النقل في بعض المناطق مثل القرى والمناطق صعبة العبور، واللافت للنظر هنا أن الإنسان وهو يعيش في أجواء التقدم العلمي، لم يترك ركوب بعض الحيوانات مثل الخيول التي تمتطى للإستجمام والتنزه أو تدخل في المسابقات. وكما مر فإن بعض الحيوانات تؤدي دور وسيلة النقل المناسبة مثل البغال في المناطق الجبلية الوعرة.
وتدلنا هاتان الآيتان على:
- أن الحيوانات الأليفة سخرها الله تعالى لخدمة الإنسان وأغراض حياته.
- أن يد الله تعالى مبسوطة في الخلق والإبداع وإنه بحكمته الواسعة وعلمه يخلق ما يشاء وهو الخلاق العظيم، تبارك ربنا ذوالجلال والإكرام.
والآن نستمع الى الآية التاسعة من سورة النحل المباركة:
وَعَلَى اللَّـهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ ۚ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٩﴾
بعد بيان النعم التكوينية التي جارت بها علينا يد الباري الكريم، يأتي هذا النص لبيان نعمة الهداية التي تفضل الله تبارك وتعالى بها على خلقه على أنه أمام الإنسان طريقان، طريق الإعتدال وطريق الإنحراف، وطريق الإعتدال هو الصراط المستقيم، إن الإنسان وبمحض إرادته عليه أن يختار أحد الطريقين، وقد جعله الله مختاراً ولم يجبره على طريق دون أخرى وهذا يتضح من قوله تعالى؛ (وهديناه النجدين) إذ معنى الهداية هنا البيان والإيضاح.
وما يستفاد من هذه الآية:
- أن الله كتب على ذاته المقدسة الهداية والإرشاد الى الصراط المستقيم، لكن الإنسان هو الذي يختار هذا الطريق وقد لا يختاره.
إن الإختيار هو مما يريده الله تعالى في هذا الكون، وبناءاً على هذا، ليس لأحد إجبار أحد على قبول الإسلام، أليس الله تعالى يقول لا إكراه في الدين
وآخر ما نسمعه في هذه الحلقة من نهج الحياة تلاوة الآيتين العاشرة والحادية عشرة من سورة النحل المباركة إذ يقول تباركت أسماؤه:
هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ۖ لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ﴿١٠﴾
يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴿١١﴾
تشير هاتان الآيتان الشريفتان الى أكبر نعم الله في عالم الخلقة على الإنسان أي نعمة الماء إذ فيه حياة الإنسان والحيوان والنبات. نعم، الماء هو أصل الحياة إذ لاحياة بدونه، وإذا كان كوكب الأرض مسكوناً فلوجود الماء فيه، ومن يدرينا فلعل الماء يوجد في كواكب أخرى والله بذلك هو العليم الخبير؛ نعم، لو لا الماء لما عاش الإنسان ولا عاشت الحيوانات والنباتات، قال تعالى: وجعلنا من الماء كل شيء حي.
نعم إن من يتفكر في هذا الأمر يرى عظمة الله تعالى ويدرك قدرته جل شأنه وكما استمعنا الى النص الشريف، فإنه يذكر دور الماء في إنبات أشجار الفاكهة والأثمار وجاءت الإشارة تحديداً الى التمور والأعناب والزيتون، وفي هذه الإشارة حكمة ربانية بالغة، حيث أثبت علماء التغذية أن لهذه الأنواع الثلاثة من الأغذية من الفوائد ما يفوق فوائد سواها.
والى الدروس المستقاة من هذا النص الشريف وهي:
- إن من أنواع المياه، مياه الأمطار، على أن نزول الغيث من السماء الى الأرض فيه الفائدة لسقي الحيوانات وإنبات النباتات، لكن ما ظنك إن حبست السماء قطرها؟ نعم إنه الجفاف والقحط والسنين العجاف ليس إلا.
- إن من اللازم التفكر والتدبر في عالم الوجود لكي يعلم الإنسان أن إنبات النبات هو فعل الله تعالى لا المزارع، إذ المزارع هنا وسيلة ليس إلا.
إن الله تبارك وتعالى ولأنه قد فضل الإنسان على سائر مخلوقاته قد جعل بإذنه تعالى كل شيء مسخر له، أي الإنسان في هذا الكون، فما أجدر الإنسان أن يكون لله وحده لا شريك له، يقر له تعالى بالعبودية ويعترف له بالوحدانية.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك انت الوهاب.
حلقة أخرى من نهج الحياة ولنا الى رحاب القرآن الواسعة عودة واياكم؛ دمتم في أمان الله والسلام عليكم.