بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، والسلام على إخوة الإيمان في كل مكان، هذا لقاء قرآني جديد يجمعنا وإياكم الى أحسن الحديث، أي الذكر الحكيم والفرقان المبين كتاب الله العزيز، نعيش في ظلاله الوارفة ونتفيأ بأفيائه الرحبة و نقطف من ثمار أشجاره الباسقة ما يكون لنا زاداً في يوم لا بيع فيه ولا تجارة.
وبعد أن أنهينا تفسير سورة الحجر نبدأ بتفسير سورة النحل، وسورة النحل المباركة حسب ترتيب السور في المصحف الشريف، هي السورة السادسة عشرة وتتكون من 128 آية.
ومن الضروري التأكيد هنا أن بعضا من سور القرآن الكريم حملت أسماء بعض الأشياء والحيوانات، وفي هذا دلالة على ارتباط كتاب التشريع بكتاب التكوين والطبيعة والجميع من خلق الله تبارك وتعالى، ويرى المفسرون أن هذه السورة مكية _ مدنية، ذلك أن الأربعين آية الأولى منها قد نزلت في مكة المكرمة في آخر أيام إقامة النبي الكريم (ص) في أم القرى، أما الـ 88 آية الباقية، فقد نزل بها الروح الأمين على سيد المرسلين في أوائل إقامته في المدينة المنورة، والآن نبدأ بتلاوة الآيتين الأولى والثانية من هذه السورة المباركة حيث يقول تعالى شأنه:
أَتَىٰ أَمْرُ اللَّـهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿١﴾
يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ﴿٢﴾
يأتي هذا النص الشريف خطاباً لمشركي مكة الذين كانوا يسخرون من الرسول الأكرم (ص) ويقولون متى ينزل هذا العذاب الذي تقول إنه نازل علينا؟
أما القرآن الكريم فيرد على هؤلاء الكفار أن عذاب الله آت لا محالة و أن له الموعد المخصص له والله لا يخلف الميعاد.
ويؤكد هذا النص المبارك أن الوحي ينزله الله تعالى بواسطة ملائكته على من يشاء من عباده الصالحين، فالله تبارك وتعالى أعلم حيث يجعل رسالته وهو يختار المؤهلين لحملها. أما واجب الأنبياء عليهم السلام فهو الدعوة الى الله والى عبادته وتوحيده وعدم الإشراك به، إنها دعوة الإنقاذ من براثن الجاهلية والشرك والرفعة ببني الإنسان الى علياء الإيمان.
ومن اللافت للنظر أن القرآن الكريم استخدم كلمة الروح في عدة مواطن وإن لها معاني عدة، منها الوحي الإلهي، ذلك أن الوحي فيه إحياء للمعنويات لدى الإنسان وإنه يبث روح الإيمان في جسده بعد أن يطرد منها روح الشر والكفر والشرك؛ ومن مصاديق هذا القول، قوله تعالى: (كذلك أوحينا اليك روحاً من أمرنا) وهي جزء من الآية الثانية والخمسين من سورة الشورى المباركة.
وما يستفاد من الآيتين الأولى والثانية من سورة النحل المباركة:
- أن أعمال الله تعالى هي عن حكمة، لذلك لا ينبغي للإنسان أن يستعجل الأمور.
- أن من لوازم الإيمان بالله تعالى التحرز من مخالفة أوامره ونواهيه وهذا مايعرف في الثقافة الدينية بالتقوى.
ويقول تعالى في الآيتين الثالثة والرابعة من سورة النحل:
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۚ تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿٣﴾
خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ ﴿٤﴾
في هذا النص كما هو واضح، إشارة الى عظمة الباري تبارك وتعالى، وأنه خالق السموات والأرضين وخالق كل شيء، ومن ذلك الإنسان الذي خلقه تعالى من نطفة أو كما في تعبير قرآني آخر، من نطفة أمشاج، فكيف يكون نداً لله عزوجل، يتمرد على أوامره ونواهيه فيكون خصماً له؟!
وما نتعلمه من هذا النص القرآني:
- إنه لا معنى للشرك بالله تعالى حيث أن أي إنسان وأي مخلوق لا يمكن أن يفعل ما يفعله الله تبارك وتعالى، الله تبارك وتعال فعال لما يريد، يقل للشيء كن فيكون. كما قال الشاعر:
أزمة الأمور طراً في يده والكل مستمدة من مدده
- إن الغرور والتكبر هما اللذان يدفعان الإنسان الى أن يكون لله خصيم مبين.
ويقول تعالى في الآيتين الخامسة والسادسة من سورة النحل:
وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿٥﴾
وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ﴿٦﴾
يشير هذا النص بشكل إجمالي الى خلق الحيوانات وفوائدها، والحيوانات تفيد الإنسان في حياته حيث سخرها الله تعالى له باعتباره أشرف المخلوقات، ومن فوائد الحيوانات، الإستفادة من جلودها وصوفها في صناعة الأحذية والملابس والإستفادة من لحومها إذا كانت محللة وكذلك من ألبانها كغذاء، والإستفادة من بعض الحيوانات لحمل الأمتعة والإستفادة من أقدام بعض الحيوانات لحرث الأرض وغير ما ذكرنا كثير. والملفت للنظر أن الحيوانات بكل ما فيها من فوائد وهي جمة كما ذكرنا، لا تكلفنا كثيراً.
إن الحيوانات ترتع في المراتع الطبيعية من الصباح حتى غروب الشمس، ومن بعد ذلك تقدم لنا كل هذه المنافع وهذه الحيوانات تشارك في العملية الإقتصادية بما تشكله للإنسان من ثروة لا يمكن بأي حال من الأحوال غض الطرف عنها. ومن هنا نلاحظ أن الدين الإسلامي وبعد أن أوصى بالزراعة، أوصى بتربية الحيوانات.
ويستفاد من هذا النص:
- أن الأنعام هي من نعم الله علينا، وعلينا أن نستثمر هذه النعم الإلهية على أحسن وجه.
- إن جمال المجتمع وعزته مرهونان بالسعي والمثابرة والإنتاج لخدمة الآخرين ونكران الذات، هنا أمر مهم إذ ليس للإنسان أن يشبع بطنه ومن حوله بطون غرثى وأكباد حرى.
غفر الله لنا ولكم حضرات المستمعين الأفاضل والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.