البث المباشر

تفسير موجز للآيات 26 الى 31 من سورة الحجر

السبت 29 فبراير 2020 - 12:11 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 429

بسم الله الرحمن الرحيم وبه تعالى نستعين والصلاة والسلام على حبيب إله العالمين سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، أعزائنا المستمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا بكم الى حلقة جديدة من برنامج الحياة، نبدؤها بتلاوة عطرة للآيتين 26و27 من سورة الحجر فلننصت اليها خاشعين:

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ﴿٢٦﴾ 

وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ ﴿٢٧﴾

بعد أن بيّن الخالق تبارك وتعالى بعض نعمه، كخلق السموات والأرض والرياح والأمطار التي أشرنا إليها في حلقات سابقة، تشير هذه الآيات الى خلق الإنس والجن، فتصرح بصورة عامة أن أصل وخلقة الإنسان من الماء والتراب وأصل الجن من النار؛ ويتوضح من سياق آيات عديدة في القرآن الكريم والتي تناولت خلق الإنسان إنه قد خلق بشكل منفصل عن خلق الحيوانات، وإنه لم يتطور عن حيوان ما، بل إن الإنسان الإبتدائي وأول إنسان خلق وهو النبي آدم (ع) قد خلقه الله سبحانه وتعالى من التراب مباشرة ونفخ فيه من روحه، وبقاء هذا الإنسان مرهون بتغذيته على مواد غذائية نبتت في التربة أيضا، وقد أشارت آيات أخرى الى هذا الموضوع، كالآية 37 من سورة الكهف والتي جاء بها فيها أن الإنسان خلق من التراب أولاً ثم من نطفة.

وبالإضافة الى الإنسان المرئي، فقد خلق الله عز وجل كائنات غير مرئية، هم من الجن، وذلك قبل خلق الإنسان وعددهم أكثر من الإنس، وقد ذكر هذا في آيات كثيرة في القرآن الكريم، وحتى أن سورة من سور القرآن قد حملت إسمهم (سورة الجن).

في التعاليم القرآنية، الجن هم موجودات مكلفة، قد خاطبها الله سبحانه وتعالى، فهي تعي كلام الله ومعنية بخطابه. والجن كالإنسان، فيهم الإناث والذكور ويتناسلون وينجبون، بعضهم مؤمن وبعضهم كافر، ومنهم إبليس الذي أغوى آدم وحواء، وكان يعبد الله مع الملائكة، ثم كلّف بالسجود لآدم ولكنه عصى فكان من الكافرين.

من هاتين الآيتين نستنتج:

  • إن قيمة الإنسان بسموّ روحه وليس بجسمه، لأن جسمه خلق من تراب مهين وطين.
  • الإنسان المؤمن بالإضافة الى الإيمان بالمرئيات يؤمن بغير المرئيات كالجن والملائكة.

 

والآن أيها الأخوة ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة عطرة للآيتين 28و29 من سورة الحجر:

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ﴿٢٨﴾

 فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴿٢٩﴾

تشير هاتان الآيتان الى قصة خلق الله للإنسان وكيف أنه قبل أن يخلقه، أطلع الملائكة على الأمر، مع أن هذا الموضوع قد طرح في عدة سور من القرآن الكريم، من هذا السياق يمكن أن نفهم أن الملائكة قد خلقوا قبل الإنسان، واستناداً الى هذه الآيات، لم يكن الأمر لهم بالسجود للإنسان لأنه صنع من التراب، بل لأن الله قد نفخ فيه من روحه، فروح الله قد سرت في ذلك الإنسان، فلهذا استحق السجود، وكذلك لأنه موضع اهتمام الله عز وجل.

من الواضح أن معنى سريان روح الله في الإنسان، ليس بالحياة أو التنفس، فهذا الأمر نلاحظه كذلك في الحيوانات، بل يعني الوعي والعلم والإستيعاب الذي أعطاه الله للإنسان، واستعداد الإنسان وقابليته على اكتساب الكمالات كالعلوم والأخلاق وكذلك سجود الملائكة للإنسان لم تكن لعلوّ شأنه، بل معناها خضوعهم للإنسان ولأجيال البشر، حيث أن الملائكة قد سخرهم الله لخدمة البشر وتسيير أمورهم.

من هاتين الآيتين نتعلم:

  • أن الإنسان له بعدان؛ مادي ومعنوي، فهو جسم وروح، لذا فله حاجات غريزية وله أيضاً حالات معنوية وعرفانية.
  • الإنسان مظهر تتجلى فيه الصفات الإلهية، وهذه القابلية أسبغها الله عليه.

 

والآن أيها الكرام ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة عطرة للآيتين 30و31 من سورة الحجر:

فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴿٣٠﴾ 

إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ﴿٣١﴾

ما إن أمر الله الملائكة بالسجود بعد خلقة آدم (ع)، حتى خرّ الملائكة ساجدين دون أن يبدو إعتراضاً على أمر الله، لأن الملائكة جبلوا على طاعة الله ولا يعرفون التمرد، كما أشارت آيات أخرى في القرآن الكريم الى أنهم لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون؛ أما إبليس فإنه كان من الجن، كما جاء في آيات أخرى من القرآن الكريم، وكان بإمكانه أن يتمرد بما تفرضه عليه نزعة التكبر، وبالفعل فقد تمرد على القرار الإلهي وعصى أمر ربه ورفض السجود لآدم، لأنه كان يرى نفسه أفضل من آدم، في حين أنه وبدلاً من المقارنة بينه وبين آدم، كان عليه أن يطيع امر الله في السجود لآدم حتى إن كان الإنسان أوطأ مرتبة من الجن، وما كان وما ينبغي له أن يكون.

من هاتين الآيتين نستنتج:

  • إن الذين لا يرغبون أن يكونون من المصلين ولا يسجدون كما أمرهم الله قد استحوذ الشيطان على عقولهم.
  • لا ينبغي للإنسان المؤمن أن يبحث عن دليل وفلسفة جميع الأوامر الإلهية، حتى إذا لم يستوعبها أو أملا عليه عقله، عدم صحتها خالفها.

 

الى هنا أعزائي المستمعين نأتي وإياكم الى ختام هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة، على أمل اللقاء بكم في حلقة قادمة، نستودعكم الله والسلام عليكم.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة