بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبي الرحمة محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين؛ السلام عليكم أعزائي المستمعين ورحمة الله وبركاته واهلا بكم الى حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة.
وبعد أن تابعتم من خلال هذا البرنامج تفسير سورة ابراهيم (على نبينا وآله وعليه السلام)؛ نبدأ ومن هذه الحلقة تفسير سورة الحجر وهي السورة الخامسة عشرة من سور القرآن الكريم، مكية وتتضمن 99 آية، والحجر هي المدينة التي كان يسكنها قوم نبي الله صالح عليه السلام، وقد ورد اسمها في الآية الثمانين من هذه السورة، وها نحن نعطر قلوبنا بتلاوة عطرة للآيات الأولى الى الثالثة من هذه السورة؛ فلننصت اليها خاشعين:
الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ ﴿١﴾ رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ﴿٢﴾ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴿٣﴾
تبدأ هذه السورة كالعديد من السور الأخرى بالإشارة الى البشر، سورة الحجرمشابهة لـ 29 سورة أخرى من كتاب الله العزيز تبدأ بالحروف المقطعة لتوضح اختلاف هذا الكتاب عن غيره مما كتبه ويكتبه البشر.
وأشارت هذه الآيات الى نقطة هامة وهي أن العديد من الكافرين يتمنون لو كانوا مسلمين في الدنيا والآخرة لكي يحظوا بالهدوء النفسي والطمأنينة الروحية، وهذا ما ينعم به المسلمون في الدنيا وبالنعيم المقيم في الآخرة.
ولكن هذه الأماني تبقى في صدور الأمل الكاذب، فهم لايقدمون قدماً من أجل الإيمان بما جاء به النبي (ص)، بل يظلون مشغولين بالحصول على اللذات والشهوات الدنيوية، ولا يتوقفون عن ممارسة المنكرات والاعمال الإجرامية وما حرمه الله، ولذلك تخاطب الآية المسلمين بما مضمونه: عليكم أن تعرضوا عنهم، فإن لذاتهم سرعان ما تنقضي ولا يخفى أن الكافرين الذين يتركون لحال سبيلهم هم الذين تمت دعوتهم الى الدين الحق بالأدلة والبراهين والحجج الدافعة، فعاندوا وتمردوا ولم يستجيبوا، وإلا فإن الله عزوجل قد بعث النبي (ص) لهداية الجميع ولكن ما داموا غير مستعدين لسماع الحق وتدبر آيات الله، لذا فيجب ألّا نحزن لأن جميع الناس لم يؤموا.
من هذه الآيات نتعلم:
- إن الذين يستهزؤون اليوم بالمسلمين، سيأتي يوم يتمنون فيه لو كانوا مؤمنين.
- لايكفي أن نتمنى لو كنا صالحين، بل علينا الإقدام والسير على طريق الصالحين.
- علينا أن لانضيع وقتنا في الحديث مع المعاندين والمتمردين إن أردنا الدعوة الى الإسلام.
- إن الله رحيم الى درجة أنه لا يحرم الكافرين من نعمه ولكنهم لا يقدّرون نعم الله.
والآن أيها الأخوة والأخوات لننصت خاشعين الى تلاوة الآيتين 4و5 من سورة الحجر:
وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ ﴿٤﴾
مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ ﴿٥﴾
كما أسلفنا القول قبل قليل، فإن الله عزوجل لا يحرم الكافرين من نعمه في الدنيا بل يهملهم، ولكن هذا الإهمال لا يستمر الى الأبد، بل له وقت معلوم، وحالما يحين ذلك الوقت سيهلك القوم الظالمين، فلا يستطيع أحد تقديم أو تأخيره أو دفع الموت عنهم.
من الجدير ذكره أن الأجل على نوعين؛ أجل حتمي وأجل غير حتمي، وما أشارت اليه هذه الآية هو الأجل الحتمي الذي لا يقبل التغيير، أما الأجل غير الحتمي فيمكن تأخيره بالدعاء والصدقة وصلة الرحم والأعمال الصالحة.
من هاتين الآيتين نستنتج:
- إن إمهال الكافرين سنة إلهية، كما أن هلاكهم في زمن معين، هو سنة إلهية أيضاً.
- ليس لكل فرد أجل فقط وإنما أيضا لكل قوم أجل معين عند الله.
والآن أيها الأكارم، لننصت واياكم خاشعين الى تلاوة عطرة للآية 6 من سورة الحجر:
وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ﴿٦﴾
تشير هذه الآية الى اسلوب الكافرين في التعامل مع الأنبياء، فإنهم يصفون الأنبياء بالجنون ويظنون أنهم عقلاء، فمن وجهة نظرهم أن من يدعي النبوة وإنه مرسل من قبل الله سبحانه وتعالى وإنه يوحى اليه، فقد أصيب بنوع من الجنون فادّعى مادّعاه.
نلفت أنظاركم على أن عرب الجاهلية كانوا يطلقون صفة المجنون على من يصيبه طائف من الجن فيهذر في الكلام ويتخبط في التصرفات، كما كانوا يعتقدون أن الشعراء لهم علاقة بالجن ولهذا يمكنهم أن ينشدوا الأشعار.
ولكن توجيه هذه التهم والحديث بهذا الشكل مع أنبياء الله يوضح أمرين، الأول: أن الاستهزاء والإهانة هما اسلوب الكافرين في التعامل مع الأنبياء وهذا يوضح سوء أدبهم، والآخر؛ هو أن الكافرين عندما يعدمون المنطق أمام حجج الأنبياء الداحضة وتعاليمهم الواضحة البينة، يكتفون بالإهانات والشتائم، وهذا الأسلوب هو ذاته الذي يتبعه مخالفوا الأنبياء، فهؤلاء إن كانوا يجدون خللاً في تعاليم القرآن والإسلام العزيز، لكانوا يطرحونها بدلا من استخدام الرسوم الكاريكاتورية والإهانات الركيكة التي يطرحونها للنيل من الإسلام.
من هذه الآية نستنتج:
- عليكم التصدي لتهم وإهانات المخالفين والتي هي أساليب قديمة في تعاملهم مع المؤمنين.
- لقد بلغ عناد البعض للحق أن وصفوا الأنبياء والرسل بالجنون ونظروا لأنفسهم على أنهم عقلاء.
أعزائي المستمعين وبهذا نأتي الى ختام هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة، قدمناها لحضراتكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، الى لقاء قادم وحلقة جديدة من هذا البرنامج، نستودعكم الله والسلام عليكم.