بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم ورحمة الله وبركاته وأهلا بكم في حلقة أخرى وجديدة من برنامج نهج الحياة وتفسير آيات أخرى من سورة ابراهيم المباركة.
والآن نستمع الى تلاوة الآيتين الثانية والثلاثين والثالثة والثلاثين من هذه السورة حيث يقول تعالى:
اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ ﴿٣٢﴾
وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴿٣٣﴾
كما تتذكرون في الحلقة الماضية من هذا البرنامج ذكرنا أن الله تبارك وتعالى حث على أداء الصلاة والإنفاق من أجل وصول الإنسان الى السعادة في الدنيا والآخرة. وكما أن في الصلاة الواجب والمستحب فإن في الإنفاق الواجب والمستحب؛ والصلاة وهي فريضة أساسية في الدين هي لشكر الباري تعالى الذي خلق الأرض والسماء والإنسان وسائر الموجودات وسخر ما في الوجود لخدمة الإنسان وراحته ويأتي الإنفاق، أيا كان شكله، لشكر نعم الله تعالى فهو الذي أفاض من رزقه الواسع على الإنسان ويشير هذا النص من ثلاث زوايا الى دور الماء في حياة الأرض ومن عليها من الإنسان والحيوان والنبات بأشكاله المختلفة بما فيها الثمار الطبية التي هي غذاء الإنسان، وماء البحر وهو بيئة ليعيش الحيوانات البحرية ومنها الأسماك التي تشكل جزءا مهما في غذاء الإنسان والبحار والمحيطات التي تشكل جزءا كبيرا من الكرة الأرضية هي من طرق السفر بين البلدان ونقل البضائع والسلع على مر التاريخ وحتى يومنا هذا.
ومن بعد ذلك تأتي الأنهار التي تجري في المناطق المختلفة ومنها المناطق قليلة الأمطار ولها كما هو واضح دور حيوي وأساسي في حياة الإنسان.
وسخر الله تعالى الإنسان الشمس والقمر، والشمس تفيض على الإنسان الحرارة والدفء وهي مصدر أساسي للطاقة؛ لديه كذلك القمر ينير له السماء في الليل.
وما يستفاد من هذا النص المبارك:
- من أهم نعم الله تعالى على الإنسان نعمة الماء حيث له دور أساسي في جوانب الحياة المختلفة، وهو، أي الماء، مصدر الحياة؛ أليس تعالى يقول –وجعلنا من الماء كل شيء حي- صدق الله العلي العظيم.
- إن الكون والطبيعة تجري الأمور فيها بإذن الله وإرادته، ذلك أن الكون برمته من خلق الله وتابع لإرادته أو كما يقال فإن الإرادة التكوينية لله هي نافذة في الكون والوجود وإنه تعالى فعال لما يشاء فيه.
- لقد خلق الله الأرض والشمس والقمر وسائر الأجرام السماوية لخدمة الإنسان.
ويقول تعالى في الآية الرابعة والثلاثين من سورة ابراهيم:
وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴿٣٤﴾
في هذا النص إشارة إلى أن الله تعالى وبعد أن خلق السموات والأرضين وفّر للإنسان كل مستلزمات الحياة على الأرض إذ فاضت يد خلقه الكريمة بوافر النعم.
أجل، إن نعم الباري تبارك وتعالى على الإنسان جمة وكثيرة وكما يقول تعالى وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها. لكن الإنسان ليس بالعبد الشكور في غالب الأحيان وهذا المعنى يظهر من قوله تعالى – وقليل من عبادي الشكور- صدق الله العلي العظيم.
إن من الناس من يضع حواسه من السمع والبصر والنطق في المعصية وفي غير رضى الله وهكذا يظلم الإنسان نفسه ويكفر بنعم ربه تعالى شأنه.
والمستخلص من هذا النص الكريم:
- إن الله تعالى سخر للإنسان كل شيء وإنه تعالى لم يظلم أحدا لكن الإنسان يظلم أخيه الإنسان فترى الثروات والنعم الإلهية غير موزعة بشكل عادل بين بني الإنسان.
- إن من لا يقدر على إحصاء نعم الله تعالى كيف له أن يشكرها؟
والآن نستمع الى تلاوة الآية الخامسة والثلاثين من سورة ابراهيم:
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴿٣٥﴾
أعزائنا المستمعين كما تعلمون إن هذه السورة هي باسم سيدنا ابراهيم عليه السلام وهو خليل الرحمن وأب الكثير من الأنبياء واعتبارا من هذه الآية وهي الخامسة والثلاثين يدور الكلام الإلهي حول هذا النبي العظيم عليه السلام.
وجاء في التفاسير أن سيدنا ابراهيم عليه السلام وبعد أن جدد وولده اسماعيل عليه السلام بناء الكعبة المعظمة رفع يديه بالدعاء الى الله تعالى، وأول ما طلب ابراهيم عليه السلام من ربه أن يجعل هذا البلد، أي مكة، آمنا. وهو الأمر الذي أكدته آيات أخرى من القرآن الكريم.
ومن الواضح أن قاعدة التوحيد ومركز عبادة الله تعالى الواحد الأحد لابد أن يكون آمنا.
ومكة المكرمة صانها الله من الحدثان، هي البلد الأمين وهي حرم الله تعالى، وفي الحرم المكي المبارك كل شيء آمن، ليس الإنسان فقط، بل الحيوان والنبات كذلك، كما يبدو ذلك واضحا من احكام الدين الحنيف الخاصة بتروك الأحرام في الحج والعمرة والزيارة مثلا.
واستجاب الله تعالى لدعوة سيدنا ابراهيم عليه السلام حينما جعل مكة بلدا آمنا.
ومكة المكرمة هي في حفظ الله ورعايته على الدوام ما قصدها جبار بسوء إلا و ردّ الله كيده الى نحره.
إن ابراهيم عليه السلام هو بطل التوحيد وهو أول محطم للأصنام في التاريخ، ومع ذلك فإنه عليه السلام ومن أجل الثبات على عقيدة التوحيد الخالص يدعو الله تعالى أن يحفظه وذريته من براثن الشرك.
وما يستفاد من هذا النص الشريف:
- إن القادة الربانيين ومنهم الأنبياء العظام عليهم السلام إهتموا بالحفاظ على أرواح الناس لا سيما في الأرض الحرام مثل الحرم المكي.
- إن الإنسان على الدوام عرضه للإنحراف، إذن علينا أن ندعو الله تعالى أن يحفظنا من الإنحراف في العقيدة نحن وأجيالنا القادمة.