بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير أبي القاسم محمد وآله الطاهرين، السلام على أخوة الإيمان في كل مكان؛ هذا لقاء قرآني جديد وتفسير آيات أخرى من سورة ابراهيم عليه السلام.
ونبدأ بالآية الرابعة من هذه السورة حيث يقول جل شأنه:
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّـهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿٤﴾
في الحلقة الماضية من هذا البرنامج ذكرنا أن طلاب الدنيا والمتكالبين عليها لا يسلمون للحق، ومن بعد ذلك الدين والإيمان ينكرون وفي الكفر والضلالة يسيرون.
وتأتي هذه الآية المباركة لتبين أن أنبياء الله عليهم السلام قد أنجزوا واجبهم الشرعي على أتم وجه وأنهم -صلوات الله عليهم- قد جاءوا بالشرائع في لسان أقوامهم، شرائع واضحة فيها النور والجلاء.
وبعد كل هذا لا تبقى حجة لدى الناس فيقولون إننا لا نعلم بما جاء إلينا.
إن من يغلق عينه وعقله وأذنه عن الحقيقة، يبتلى بالإنحراف والضلال ويواجه في الحياة مشاكل جمة وكثيرة.
أما طلاب الحق الذين آمنوا برسالات الأنبياء عليهم السلام فقد هدوا الى سواء السبيل، ونالوا من الدنيا وادخروا للآخرة وذلك هو الفوز العظيم.
وعلى هذا فإن المراد من قوله تعالى ،يضل الله، هو أن الإنسان بعناده يسير نحو الضلال ويحرم من رحمة الله تعالى وإلا فالباري تعالى لا يضل أحد، بل هو الهادي الى سواء السبيل. ثم أن الإنسان في عمله مختار غير مجبر، وفي الحقيقة أن الله تعالى لا يظلم أحدا، إنما الانسان هو الذي يظلم نفسه حينما يحرم نفسه من نور الهداية والإيمان ويتخبط في ظلمات الضلال والكفر.
وكيف يضل الله الناس -العياذ بالله- وهو الذي بعث فيهم الرسل والأنبياء عليهم السلام للهداية والإرشاد وأنزل الكتاب والميزان ليقوم الناس بالحق.
ولا ريب أن الخالق المتعال يريد للناس الهداية والظفر في الدارين، أليس هو تعالى من بعث 124 الف رسول ونبي الى البشرية من لدن سيدنا آدم الى سيدنا محمد (ص).
نعم إنه العناد الذي يجعل البعض لا يسلمون للحق، بل الى الباطل يتوجهون.
وما يفيدنا هذا النص المبارك:
- إن دعوة الأنبياء عليهم السلام دعوة عامة ولسان الشرع واضح وجلي كي لا تقوم للناس الحجة بل لله الحجة البالغة.
- إن تعامل الله سبحانه وتعالى مع المحسن والمسيء من الناس على أساس الحكمة وإن لكل إمرء ما كسب وما ربك بظلام للعبيد.
ونستمع الآن الى الآية الخامسة من سورة ابراهيم المباركة:
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّـهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴿٥﴾
بعد بيان قاعدة عامة فيما يخص دعوة الأنبياء الناس الى الحق والحقيقة تأتي هذه الآية الكريمة لبيان أسلوب النبي موسى عليه السلام لدعوة الناس الى الحق.
نعم، النص الشريف يوضح هنا أن موسى عليه السلام جاء ليخلص الناس من قيود الطاغوت الفرعوني ويأخذ بأيديهم الى رحاب الله الواسعة.
لقد جاء موسى عليه السلام الى قومه بالمعجزات وهذا هو شأن كل نبي لإثبات نبوته وكي يصدق الناس دعوته ويؤمنوا برسالته.
وكانت الأيام في عهد نبوة موسى عليه السلام على صنفين، أيام رحمة ورخاء وأيام محن وابتلاء. وهذه من أيام الله التي تجعل الناس في شأنهم يتفكرون ومن العبر والدروس يستفيدون وهذا هو من لطف الله على العباد.
إن بني اسرائيل وبإذن الله تعالى قد عبروا النيل سالمين وخرجوا من معركة الأعداء منتصرين، لكن بني اسرائيل عاشوا كذلك أربعين عاما في الصحراء في التيه كما حدث لهم في المرة الأولى كان لإيمانهم وما أصابهم في الثانية لكفرهم.
أما ما نستفيده من هذا النص فهو:
- إن في التاريخ دروس وعبر أنه يعلمنا الصبر والثبات وعرفان النعم الإلهية.
- إن إحياء أيام الله هو سنة الله في الخلق.
ويقول تعالى في الآية السادسة من سورة ابراهيم عليه السلام:
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴿٦﴾
في الآية السابقة جاء الخطاب القرآني الى موسى عليه السلام أن يذكرهم –أي قوم بني اسرائيل- بأيام الله.
وتأتي هذه الآية لبيان مصاديق من أيام الله ومنها انقاذ بني اسرائيل واليهود من شر الفراعنة الطغاة. وجاء في التفاسير أن المنجمين قد تنبأوا بولادة صبي يقف فيما بعد بوجه فرعون؛ ومن هنا أمر فرعون بقتل كل الذكور من المواليد في عهده وإبقاء الإناث منهم.
كان فرعون كذلك يعذب شباب بني اسرائيل ويقتلهم. أما النساء والفتيات فكان يأخذهم أسارى وجواري في قصوره.
وعلى أي حال فإن ما توقعه المنجمون قد حدث بإذن الله تعالى، حيث ولد موسى عليه السلام وكان هو الذي وقف بوجه فرعون والظلم وقصته معروفة وقد ذكرت في القرآن الكريم.
وعودة الى النص لنرى ما نستخلصه منه ونقول أن النص يفيدنا في:
- إن نعمة الحرية هي من أكبر النعم الإلهية، وإن الله تعالى يحث على أن تذكر دوما، وفيها من العبر والدروس لكل الأجيال في كل عصر ومصر.
- إن فعل الطواغيت والفراعنة هو الشر بعينه إلا أنه من الإمتحانات الإلهية.
المستمعين الأكارم هكذا انتهت هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة، نشكر لكم حسن المتابعة والسلام عليكم.