بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم ورحمة الله وبركاته وأهلا بكم في حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة الذي يأخذنا واياكم الى رياض القرآن الكريم، رياض نضرة لأحسن الحديث وها قد وصلنا في تفسيرنا الموجز لآي الذكر الحكيم الى سورة ابراهيم على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام.
وسورة ابراهيم عليه السلام وحسب ترتيب سور القرآن الكريم تأتي بعد سورة الرعد المباركة، ويذكر المفسرون أن أكثر آيات سورة ابراهيم قد نزلت في مكة، أي قبل الهجرة.
وبما أن هذه السورة في مجمل آياتها تتحدث عن الديانات السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام التي قامت على أساس التوحيد الذي شيد أركانه سيدنا ابراهيم عليه السلام فقد عرفت بإسمه.
ولنستمع الآن وبعد هذه المقدمة الى الآية الأولى من هذه السورة:
الر ۚ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴿١﴾
كما يستفاد من آيات القرآن الكريم فإن هدف الأنبياء والرسل والكتب السماوية هو تحرير الناس من عبودية النفس وعبودية الشيطان والطواغيت.
ومن سنن الأنبياء والرسل عليهم السلام إزالة كل أشكال الخرافات والبدع من حياة البشرية، وإذا ما تحقق كل هذا في ظل بعثة الأنبياء والرسل الكرام وفي أفياء الكتب السماوية المنزلة فإن بني الانسان يسيرون على نهج التوحيد ويعبدون إلها واحدا ويخرجون بذلك من الظلمات الى النور.
وثمة نقطة تلفت النظر هنا وهي أن الظلام وكما يعبر عنه القرآن يأتي في صيغة الجمع (ظلمات) بينما في المقابل يأتي النور مفردا ولعل السر الذي يمكن هنا هو أن طرق الباطل عديدة من الكفر والشرك والنفاق، بينا طريق الحق واحد وهو طريق الله تعالى وما نتعلمه من هذا النص الشريف:
- إن نزول الكتب السماوية لوحده ليس بكاف، ولابد لهداية الناس من وجود الرسل والأنبياء عليهم السلام إذ فيهم القدوة الحسنة للناس.
- إن الهدف الأساسي للأديان هو إنقاذ البشرية من براثن الظلم والتخبط في الظلمات، من ظلمة الجهل الى نور العلم ومن ظلمة الإختلاف الى نور الوحدة ومن ظلمة المعصية الى نور التقوى.
ويقول تعالى في الآية الثانية من سورة ابراهيم:
اللَّـهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴿٢﴾
بعد بيان دور الكتاب السماوي في هداية الناس الى الصراط المستقيم تأتي هذه الآية المباركة لتبين أن منزل الكتب السماوية هو الله تعالى شأنه، خالق السموات والأرضين وكل ما في الوجود من موجودات وكائنات ومنها الإنسان.
ذلك هو الله العلي القدير الذي هو بكل شيء عليم، وإنه تبارك أسماؤه وبعد أن خلق الكون وما فيه أنزل فيه الكتب والشرائع كي لا يبقى الناس في حيرة وضلال وهذا كله من لطف الخالق المتعال تبارك ربنا ذوالجلال والإكرام.
وبعد كل هذا كيف وأنى يتأتى للإنسان وهو مخلوق أن يقف والعياذ بالله في وجه الخالق فينكر وجوده ووجود أنبياءه ورسله وكتبه المنزلة؟
وهل هذا الإنكار يقوم على دليل عقلي أم أنه من هوى النفس؟
ومن الواضح، الذي لا حاجة معه الى أدنى بيان أن هوى النفس هو الذي يجر الإنسان نحو الإثم ويسقط في وهدة المعاصي، وهكذا تتهيأ الأرضية لنزول العذاب الإلهي أعاذنا الله واياكم منه.
أما الذي نتعلمه من هذا النص المبارك فهو:
- لابد من اتباع القانون الإلهي، فالله تعالى أعلم بمتطلبات النفس وقابلياتها، ولابد من القول هنا أن عدم اتباع الشرائع المنورة والعمل وفق القانون الوضعي هو نوع من الكفر، لا بل من الظلم والفسق، كذلك كما هو مدلول صريح القرآن؛ ومن ذلك قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الكافرون).
- إن إنكار الله تعالى لا يضره شيء فهو تعالى الغني الحميد.
والآن الى الآية الثالثة من سورة ابراهيم عليه السلام حيث قال تعالى:
الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ أُولَـٰئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴿٣﴾
إن هذه الآية توضح لنا السبب في معارضة الكفار الأديان السماوية والرسل عليهم السلام. على أن السبب الأساس في حرب الكفر للإيمان في كل زمان ومكان هو حب الدنيا الذي هو كما جاء في حديث الشريف (رأس كل خطيئة).
إن من يتبعون هوى النفس هم الذين يحبون الدنيا وإنهم يتصورون أن حياتهم في هذه الدنيا ليس إلا، لا يرضون بالدين ولا بالإيمان لأنه يعارض نزواتهم وأميالهم الشيطانية.
وليس الدين كما يتصور البعض العقيدة المحضة والإيمان المجرد إن صح التعبير.
إن الدين قوانين وقواعد تنظم حياة الناس وتحول دون ركوبهم الشهوات.
وبعد كل هذا فإن الملاحظ أن الكفار لا يكتفون بكفرهم بل يجرون اليه الآخرين.
وكم عانى الأنبياء عليهم السلام من الكفار الذين كانوا يصفون الرسل بالمنحرفين أعاذنا الله، لكن المنحرفين الحقيقيون هم الكفار الذين هم في ضلال بعيد.
وما يدلنا عليه هذا النص القرآني الشريف هو:
- إن إشاعة الفساد والفسق في المجتمع والدعايات المغرضة ضد الأديان الإلهية وطرح الشبهات وتشويه التعاليم الدينية هي من أهم أساليب معارضة طريق الحق.
- إن الخطر الجسيم يمكن في تفضيل الدنيا على الآخرة؛ إن الأديان السماوية لا تعارض الحياة الدنيا، بيد أنها تحث على التزود من الدنيا للآخرة.
وقد جاء في الحديث الشريف عن النبي الأكرم محمد بن عبد الله (ص) إنه قال: (ليس منا من ترك دنياه لآخرته وليس منا من ترك آخرته لدنياه إنما منا من أخذ من هذه وهذه)
اللهم وفقنا في الدنيا للخير والعمل الصالح ولا تكلنا الى أنفسنا طرفة عين أبدا، واجعل عاقبة أمورنا الى خير، آمين يا رب العالمين. وطابت أوقاتكم حضرات المستمعين الأفاضل، الى اللقاء والسلام خير ختام.