بسم الله الرحمن الرحيم أعزائي المستمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة، والتي نبدؤها بتلاوة عطرة للآية 17 من سورة الرعد:
أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا ۚ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّـهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ ﴿١٧﴾
إن الله يضرب الأمثال لتعريفهم بالحق والباطل من خلال التشبيه بأمور محسوسة وملموسة يرونها رأي العين؛ وفي هذه الآية يشبه الحق بالماء والباطل بالزبد الذي يعلوه.
الماء هو أصل ومنشأ الحياة يهطل من السماء ويتغلغل في أعماق الأرض لتأمين احتياجات الناس طوال السنة. ولكن عند هطول الأمطار وجريانه في الوديان والأنهار يعلوا فوقه زبد، ولكن لا يلبث الزبد أن يمحى من الوجود ويبقى الماء. كما في معامل إذابة المعادن، عندما تذوب داخل الأفران يتكون فوقها زبد لايلبث أن يختفي وتبقى الفلزات الخالصة.
وكذلك الباطل مثل هذا الزبد يظهر لفترة قصيرة ولكنه تافه لاقيمة له و مؤقت. الزبد يعلو ويظهر ومواج، ولكن عندما تهدأ الأمور يمحى ويختفي من الوجود.
من هذه الآية نستنتج:
- إن الرحمة الإلهية جارية من غير توقف، وكل يغرف منها حسب استيعابه وقابليته على تقبل هذه الرحمة.
- في أفران الحوادث يتميز الحق من الباطل والحلو من المر والنقي من الشائب.
والآن أعزائي المستمعين لننصت واياكم خاشعين لتلاوة عطرة للآية 18 من سورة الرعد:
لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ ۚ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴿١٨﴾
تقارن هذه الآية بين عاقبة المؤمنين والكافرين بهذا الشكل: الذين استجابوا لدعوة ربهم لهم أجر حسن وثواب من الله، أما الذين لم يستجيبوا لدعوة الله فيكون مصيرهم يرثى له، بحيث لو كانت ضعف كنوز الأرض ضمن أموالهم لوافقوا على بذلها للخلاص من هذا المصير الأسود، مع ذلك فلن تقبل منهم ولا يمكن لهذه الأموال أن تكون وسيلة لإنقاذهم من نار جهنم.
كما تشير نهاية هذه الآية الى حساب الكافرين العسير يوم القيامة؛ كما جاء في الأحاديث الشريفة إن الذين يتشددون في التعامل مع الناس يكون حسابهم عسيرا يوم القيامة، أما الذين يعفون ويصفحون فلن يحاسبهم الله حسابا عسيرا.
من هذه الآية نستنتج:
- إن المؤمنين يجزون يوم القيامة أفضل ما يتمناه كل انسان.
- إن كنا نحب أن يستجيب الله دعاءنا، علينا أن نستجيب لدعوته ونطيع أوامره ونتجنب نواهيه.
والآن أيها الأخوة والأخوات ندعوكم لننصت خاشعين لتلاوة عطرة للآية 19 من سورة الرعد:
أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿١٩﴾
إستمرارا للمقارنة بين أهل الإيمان وأهل الكفر التي وردت في الآية السابقة، يصف الله سبحانه وتعالى الذين آمنوا بالحق بأنهم عقلاء وانهم أولي ألباب، لذا فهم يرون الحقيقة ويستوعبونها، أما اولئك الذين لم يرضخوا للحق ولم يؤمنوا به فهم عمي القلوب حتى إذا كانت أعينهم باصرة. أجل فالعقل والفطرة البشرية التي فطر الله الناس عليها،كاللب من الثمرة، تغطيها احيانا الآداب والسنن المنحرفة والتعصب الأعمى، فتحجب عنه رؤية الحق. أما أولي الألباب الذين ذكرهم القرآن في 16 موضعا، فهم اولئك الذين اخترقوا القشور والموانع ووصلوا الى لب الحقيقة.
من هذه الآية نستنتج:
- ما أكثر الضريرين وقلوبهم منورة بنور الإيمان ويرون الحقائق، وما أكثر من يبصرون وقلوبهم مظلمة ولا يستطيعون رؤية الحقائق.
- لا فائدة من العقل والفطنة إذا كانت لا تساعد الانسان على الإيمان بكتاب الله عزوجل.
- يجب تحذير وتذكرة الانسان دائما كي لا ينزلق في مهاوي الغفلة وتجاهل الحقائق.
أعزائي المستمعين الى هنا نأتي الى نهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة. على أمل اللقاء بكم في حلقة مقبلة نستودعكم الله والسلام عليكم.