بسم الله الرحمن الرحيم أعزائي المستمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة والتي نبدؤها بتلاوة عطرة للآية 14 من سورة الرعد، فلننصت إليها خاشعين.
لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ۖ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ۚ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴿١٤﴾
بعد أن تطرقت الآيات السابقة الى بيان عظمة خلق الله في السموات والأرض وحمد وتسبيح جميع الموجودات لله عز وجل، تشير هذه الآية الى انحراف الكافرين والمشركين عندما يدعون أشياء أو أفراد غير الله، عاجزين مثلهم، فلا يستطيعون أن يستجيبوا لهم، فمثلهم مثل من يريد الماء ولكن لا يستخدم الوسيلة الصحيحة فلا يحصل عليه ويبقى عطشانا.
إن جميع البشر سواء المؤمنون أو الكافرون هم تواقون الى الحق وطالبون للحقيقة، ولكن البعض يضلون عن سبيل الوصول الى الحق، وبدلا من الإيمان بالله والركون إليه، يقصدون معبودات خيالية وباطلة، أي أنهم بدل التوجه الى الماء يقصدون السراب وهؤلاء لن يرتووا أبدا.
من هذه الآية نستنتج:
- إن التوسل الى الله تعقبه الإجابة إذا كان العبد صادقا، خلافا للدعاء والطلب من الآخرين.
- إن أساس الكفر والشرك، تصورات وخيال واه يحجب الانسان عن بلوغ الحقيقة.
والآن أيها الأخوة والأخوات، لننصت واياكم خاشعين لتلاوة عطرة للآية 15 من سورة الرعد:
وَلِلَّـهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ۩ ﴿١٥﴾
تتطرق هذه الآية، تماما كالآية 49 من سورة النحل، الى سجود جميع الموجودات في هذا الكون لله الواحد القهار. وفي هذه الآية ورد تعريف لطيف، وهو أن ظلال الأشياء والكائنات خاضعة لله، وربما المراد هو وقوع الظلال على الأرض، وكأن الله عز وجل يريد أن يقول؛ إن كان الكافرون يأبون الخضوع والخشوع أمام عظمة الله، فليس بضاره شيئا، لأن جميع ما في الكون خاشع لله وخاضع لعظمته ويسجد له كل يوم.
من هذه الآية نستنتج:
- إن السجود والخضوع لله على نوعين: فمن الناس من يسجد له عارفا معترفا بألوهيته، راغبا بالعبودية له، متذللا له وطائعا لأوامره، ومنهم لا يسجد إلا عندما تصيبه مصيبة أو يقع في شدة، فيكون مجبرا ومكرها على الخضوع لله والسجود له.
- لا يسجد لله أهل الأرض فقط، بل جميع ملائكة السموات خاضعين لله ممتثلين لأوامره.
والآن مستمعينا الكرام لننصت واياكم خاشعين الى تلاوة عطرة للآية 16 من سورة الرعد:
قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّـهُ ۚ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ۗ أَمْ جَعَلُوا لِلَّـهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ۚ قُلِ اللَّـهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴿١٦﴾
أحد الأساليب القرآنية لتوضح الأمور، هو أسلوب السؤال والجواب سواء كان على لسان الرسول (ص) أو على لسان المؤمنين والكافرين، حيث يطرح سؤالا ثم يعطي الجواب. وفي هذه الآية يلقن الله عز وجل المؤمنين أسلوب البحث والاستدلال مع المشركين، ومن أين نبدء وبم نختم.
ولأن المشركين قد أذعنوا أن الله عزوجل هو خالق الكون، يسألهم الرسول (ص): من رب السموات والأرض، ولأنهم ترددوا في الإجابة عن هذا السؤال، وضح لهم الرسول (ص) إن مالك ومدبر الكون هو الذي خلقه، وليس من الصواب أن تقولوا أنه خلق الكون وترك إدارته لمخلوقات خلقها، أو الى أصنام وأوثان فاتخذتموها آلهة دونه.
لم تقصدون أشياء عاجزة مثلكم ولا تملك لكم ضرا ولانفعا، وتجري عليها قوانين الطبيعة كما تجري عليكم.
بعد ذلك يشبه الله سبحانه وتعالى وضع المؤمن والكافر بالبصير والأعمى، وبالنور والظلمات، وهو بهذا يرمي الى أن من يرى الحق وينكره لا يختلف عن الأعمى، وإن من يرى نور الحق ويغمض عينيه عنه يغط في ظلمات الباطل ويحرم نفسه من النور.
وفي نهايتها تتعرض الآية الشريفة الى المشركين الذين قد جعلوا لله شركاء، فتسائل: هل التبس الأمر عليهم فاتخذوا غير الله إلها؟ في حين أن الله هو الخالق وهو القاهر فوق عباده وهو على كل شيء قدير وهو الغالب على أمره وكل شيء يخضع لإرادته ومشيئته.
من هذه الآية نستنتج:
- العصبية والعناد تعمي الانسان وتصمه، فيكون كالأعمى الذي حرم من رؤية النور.
- لايستطيع أي مخلوق أن يدفع عن نفسه الضرر إلا بإذن الله فهو إذن لايستحق أن يعبد من دون الله.
الى هنا اعزائي المستمعين نأتي الى ختام هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة، على أمل اللقاء بكم في حلقة قادمة نستودعكم الله والسلام عليكم.