بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على أشرف الرسل المنتجبين سيدنا محمد وآله الطاهرين.
والسلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم ورحمة الله وبركاته، هذه حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة وقد قدمنا لكم خلاله تفسير مئة آية وآية من سورة يوسف عليه السلام.
والآن الى تلاوة الآية الثانية بعد المئة من هذه السورة:
ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۖ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ﴿١٠٢﴾
في الحلقة الماضية من هذا البرنامج رأينا على شاشة أحداث تاريخ الأنبياء عليهم السلام، كيف أن عاقبة الفراق كانت الى لقاء، حيث التقى سيدنا يوسف عليه السلام بأبيه سيدنا يعقوب عليه السلام وتحققت رغبة الأب والإبن معا بإذن الله تبارك وتعالى والحمد لله رب العالمين.
وتأتي هذه الآية المباركة خطابا للرسول الخاتم (ص) لتعلمه إن ما قصه الله عليه هو من أخبار الغيب التي هي من علم الله العزيز الحكيم نزل بها جبرائيل عليه السلام على صدر رسول الله (ص) وهي الوحي المبين.
إن الله تباركت أسماؤه هو عالم الغيب والشهادة يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وكان تعالى على علم بنية أخوة يوسف عليه السلام في التخلص منه حسدا له.
والدروس المستقاة من هذه الآية هي:
- إن الأنبياء عليهم السلام يعلمون الغيب بإذن الله تعالى وبواسطة الوحي لا بواسطة السحر وما الى ذلك.
- إن الله تعالى لاتخفى عليه خافية وأي مؤامرة تحاك خيطوها في السر يعلمها الله العزيز الحكيم.
والآن نستمع الى تلاوة الآية الثالثة والآية الرابعة بعد المئة من سورة يوسف:
وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴿١٠٣﴾
وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ﴿١٠٤﴾
بعد أن ينهي القرآن الكريم عرض أحداث قصة يوسف عليه السلام يأتي لبيان أمور تتعلق بعلاقة النبي الأكرم (ص) بالناس.
إنه يخاطب الرسول الخاتم (ص) بأنك لاتريد من الناس اجرا على إبلاغ الرسالة الإلهية وإنما أنت لهم ناصح وأمين.
إن الرسول (ص) وكما يبين النص الشريف كان يحرص على غرس أشجار الإيمان في قلوب الناس جميعا، لكن ليس كل الناس بمؤمنين وإن من الناس من يعلم أن الحق مع رسول الله (ص) لكنهم لا ينصاعون لإرادة الحق.
أما ما يفيدنا هذا النص فهو:
- إن الأنبياء والرسل عليهم السلام قد بذلوا كل ما في وسعهم لهداية الناس وحرصوا على ذلك كل الحرص. لكن من الناس من عادى الرسل وسار في جادة الضلال.
- إن عدم ايمان الكثير من الناس ليس بسبب تقصير الأنبياء عليهم السلام بل هو ناشئ من اتباعهم للشهوات وعلى أي حال لاينبغي أن نستوحش في طريق الإيمان لقلة سالكيه.
ويقول تعالى في الآية الخامسة بعد المئة من سورة يوسف:
وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴿١٠٥﴾
في الآيات المواضي مر علينا أن من الناس من لايؤمن بالله وكتبه ورسله وانبيائه.
أما هذه الآية فتأتي لتطيب خاطر الرسول الأكرم (ص) وتخاطبه بأن الكفار يرون على الدوام الدلائل والبراهين على وجود الله تعالى في الأرض وفي السماء.
ومع كل هذا ينكرون وجود الله تعالى فإن كذبوك فلا تحزن.
إن آيات الله تعالى تتجلى في هذا الوجود أمام الإنسان بعدة طرق ومن ذلك مشاهدة الأجرام السماوية ورؤية الظواهر الطبيعية بمختلف أنواعها وليس بخاف على أحد وسعة هذا الكون انه فسيح الأرجاء مترامي الأمكنة، وكل الأدلة العلمية تؤيد أن الكون في اتساع، وها هو الانسان قد خرج من نطاق الأرض ليسير من أغوار الفضاء الذي فيه المليارات والمليارات من النجوم والأجرام.
وفي هذه الآية الشريفة التي نزلت قبل أكثر من أربعة عشر قرنا ما يؤيد ويتوقع سفر الإنسان في أعماق الفضاء وذلك من معجزات سيد الأنبياء والرسل عليه وعلى آله أفضل صلوات الملك القهار.
أما ما نستفيده هنا هو:
- أن كل ظواهر الوجود هي علائم على قدرة الله تبارك وتعالى القدرة اللامتناهية للذات الربوبية المقدسة.
- إن عدم الإيمان قد يكون بسبب الغفلة وقد يكون منشأه العناد والإعراض، فالغافل قد يأتي عليه يوم يصحو من نوم غفلته ويلتمس للحق سبيلا. أما من أعرض عن ذكر الله غييه مستمر ولايتخذ الى الإيمان سبيلا.
والى الآية السادسة بعد المئة من سورة يوسف:
وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّـهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ
في هذه الآية خطاب الى الرسول (ص) بأن من الذين آمنوا من لا ايمان خالص له.
إن هذا النمط من الناس وفي اعمالهم يستعينون بغير الله من الناس والأشياء، وفي هذا اللون من التعامل لون من الشرك، وقد أوضح أئمة الهدى عليهم السلام معنى الشرك في هذه الآية.
فالإمام أبوالحسن علي بن موسى الرضا ثامن أئمة العترة الطاهرة عليهم السلام يوضح لنا أن الشرك هنا ليس عبادة الأصنام، بل إنه التوكل على غير الله.
إذن فالشرك قد يكون خفيا يشبهه الامام ابي عبد الله جعفر بن محمد الصادق سادس أئمة اهل البيت سلام الله عليهم بأنه مثل نملة تتحرك في الظلام الدامس.
أما ما نتعلمه من هذا النص فهو الآتي:
- إن للإيمان مراتب ودرجات وأن الإيمان الخالص هو أعلى تلك المراتب والدرجات وليس فيه من شوائب الشرك شيء، لكن هذه المرتبة لاينالها إلا القليل من الناس.
- كما أن للإيمان مراتب ودرجات فإن الشرك كذلك له درجات ويبدأ من الشرك الظاهر وهو عبادة الأصنام والأوثان، وقد يكون الشرك في النفس خفيا ولايدري بوجوده الانسان.
أعاذنا الله واياكم من الشرك ووفقنا للإيمان ومراضيه والسلام خير ختام.