بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه وسيد بريته سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد نبي الهدى والرحمة وأهل بيته الكرام.
السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات وأهلا بكم في حلقة أخرى من نهج الحياة، إذ مازلنا نعيش في أجواء قصة يوسف عليه السلام وقد أتممنا حتى الآن تفسير 73 آية من هذه السورة المباركة والآن نستمع الى تلاوة الآيتين الرابعة والسبعين والخامسة والسبعين:
قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ ﴿٧٤﴾
قَالُوا جَزَاؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴿٧٥﴾
في الحلقة الماضية من هذا البرنامج ذكرنا أن يوسف (ع) قد خطط لإبقاء أخيه بنيامين الى جانبه وأعد الاجواء لمجيء والديه إلى بلاد مصر لقد إطلع يوسف (ع) أخاه بنيامين على خطته، حيث وضع مكيال الملك وكان ثمينا في أمتعة أخيه بنيامين. ولما فتش المظفون القائمون على أمور توزيع الغلات أمتعة بنيامين وجدوا المكيال الثمين فيها كما سنرى في الآيات اللاحقة. وهنا سألوه عن عقاب السارق فقال الأخوة إن في أعرافنا أن السارق يكون رهينة وغلاما للمسروق منه، حتى يعوض له الخسارة.
أما الذي نتعلمه من هاتين الآيتين فهو:
- في التعامل مع المذنبين لابد من ايقاظ ضمائرهم، حتى يقبلوا ويتعرفوا بالذنب الذي ارتكبوه
- يرضون لحكم القانون فوق الجميع.
والى الآية السادسة والسبعبن من سورة يوسف (ع):
فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاءِ أَخِيهِ ۚ كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ۖ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴿٧٦﴾
في هذا النص توضيح لعملية التفتيش لأمتعة إخوة يوسف (ع) ومن أجل أن لايشك الأخوة في وجود خطة تستهدفهم، تم في البدء تفتيش أمتعة الأخوة الكبار وبعد ذلك أمتعة بنيامين.
لقد وجدو المكيال عند بنيامين ولهذا ألزموه البقاء في مصر. ويستفاد من القرآن الكريم أن الله تعالى هو الذي علم يوسف وأوضح له سبيل إبقاء أخيه الى جانبه وإلا فإن القوانين التي كانت سائدة في مصر آنذاك ما كان فيها ما يساعد يوسف (ع) لتحقيق رغبته.
إنه علم الله تعالى الذي هو فوق كل علم كما جاء في النص وفوق كل ذي علم عليم.
إن الدرجات الرفيعة التى نالها يوسف عليه السلام في مصر كلها كانت ببركة توفيق الله وعلمه الواسع حيث أفاض تعالى من هذا العلم على بنيه إلهاما، وعليه يتضح لنا أن الوحي الإلهي قد يكون بالإلهام وقد يكون بشكل مباشر بواسطة الملك جبرائيل كما هو الحال بالنسبة لخاتم الأنبياء والرسل سيدنا محمد بن عبد الله (ص).
أما ما نتعلمه من هذا النص القرآني المبارك فهو:
- لابد من مراعاة القوانين المعمول بها في كل بلد من قبل أبناء الشعب، حتى وإن كانت الحكومة غير إلهية شريطة أن لا يتعارض مع أحكام الدين العادلة بل في مثل هذه الحالة ينبغي عند الإستطاعة الهجرة في بلاد الله بدل الخضوع لقانون ظالم، فشرع الله تعالى فوق كل قانون.
- إن العلم والمعرفة هما أساس للتفضيل ورفع الدرجات وهذا المعنى ما يؤمن اليه قوله تعالى – قل هل يستوي الذين يعملون والذين لا يعلمون-.
والآن الى الآية السابعة والسبعين من سورة يوسف عليه السلام وهي:
قَالُوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا ۖ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ﴿٧٧﴾
إن إخوة يوسف كانوا يعلمون أن أخاهم بنيامين لم يسرق المكيال لكنهم ماكانوا يريدون الدفاع عن أخيهم الصغير وتبرئته من التهمة التي نسبت إليه، ومع كل هذا لم يكونوا يرغبون في العودة الى أبيهم من دون بنيامين وإبقائه في مصر كما فعلوا في المرة السابقة حينما اصطحبوا سيدنا يوسف (ع) وعادوا من دونه.
لكن الحسد الذي الجأهم الى فصل يوسف عن أبيه يعقوب وها هو مرة أخرى يثور من مكامنه في نفوسهم لإبعاد بنيامين عن أبيه، حيث كان له عند الأب يعقوب كأخيه يوسف حظوة.
على أي حال لم يدافع الأخوة عن أخيهم بنيامين الأمر الذي أدى إلى أن يبقى رهينة في مصر أمر أراده يوسف (ع) حبا بأخيه وأراده أبناء يعقوب كرها وحسدا.
وما يمكن أن نستقيه من هذا المنهل الفياض هو:
- من أجل الوصول الى الهدف المنشود لابد من تحمل كل الصعاب والتعامل مع الأمور بسعة الصدر.
- في الكثير من الحالات لابد من الحفاظ على أسرار الآخرين ويجب على الحكام مراعاة المصلحة العامة فهي فوق كل المصالح والرغبات.
طبتم وطابت أوقاتكم والى اللقاء.