من الألطاف الإلهيّة بالإنسان تلك التكاليفُ التي أنزلها عليها، سواء أكانت من المطلوب فعله والمواظبة عليه كالواجبات والمستحبات أو ممّا نهاه عنه كالمحرمات والمكروهات.
والله غني عن عباده ولم تتعلّق إرادته في هذه التكاليف إلا بما فيه نفع يعود للإنسان نفسه، وكما فتح باب لطفه بتكاليفه، وعد بالثواب الجزيل لمن التزمَ وأدَّى ما فرضه عليه.
ومن الألطاف الإلهية - أيضا - بالإنسان أن مدّ له يد العون في الوصول إلى الالتزام بالطاعة من خلال الإيمان أولا بأنّ الله عز وجل يعلم السر وأخفى، وأنّه لا تخفى عليه خافية، وكما ورد في الرواية فإنّ الله يرى ويسمع كلَّ قولٍ وفعلٍ، وهذا يجعل الخوف بابا من أبواب الطاعة فيمنعه هذا الخوف من فعل القبيح، فالخوف من الله عز وجل يجعل النفس تنتهي عن اتِّباع الهوى، وبهذا ينال الفوز.
ويؤكِّد علماء الأخلاق والسير والسلوك على أشهر النور (رجب، شعبان وشهر رمضان) باعتبار أنّ الانسان يتمكّن من رسم مسار بناء النفس وتهذيبها، ويطلقون على شهر رجب أنه شهر التخلي عن ارتكاب المعاصي والذنوب.
وهو من الأشهر الحرم وهو شهر عظيم البركة شريف كانت الجاهلية تعظمه وجاء الإسلام بتعظيمه وهو الشهر الأصم سمي بذلك لأن العرب لم تكن تغير فيه ولا ترى الحرب وسفك الدماء، ويسمي أيضا الشهر الأصب، لأنه يصب الله فيه الرحمة على عباده.
وقد سمّيَ هذا الشهر بشهر أمير المؤمنين (عليه السلام)، لماذا ؟:
روي عنه (عليه السلام) أنه كان يصومه ويقول: "رجب شهري، وشعبان شهر رسول الله صلى الله عليه وآله، وشهر رمضان شهر الله تعالى".
وقد ورد فيه استحباب الكثير من الاعمال وأهمها الصوم فروى سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "من صام ثلاثة أيام من رجب كتب الله له بكل يوم صيام سنة، ومن صام سبعة أيام من رجب غلقت عنه سبعة أبواب النار، ومن صام ثمانية أيام من رجب فتحت له أبواب الجنة الثمانية، ومن صام خمسة عشر يوما حاسبه الله حسابا يسيرا، ومن صام رجبا كله كتب الله له رضوانه ومن كتب الله له رضوانه لم يعذبه".
وعن أبي رمحة الحضرمي قال: سمعت جعفر بن محمد بن علي (عليه السلام) يقول: "إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش أين الرجبيون فيقوم أناس يضئ وجوههم لأهل الجمع على رؤسهم تيجان الملك مكللة بالدر والياقوت مع كل واحد منهم الف ملك عن يمينه وألف ملك عن يساره يقولون هنيئا لك كرامة الله عز وجل يا عبد الله، فيأتي النداء من عند الله جل جلاله: عبادي وإمائي وعزتي وجلالي لأكرمن مثواكم ولأجزلن عطاءكم (عطاياكم) ولأوتينكم من الجنة غرفا تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين أنكم تطوعتم بالصوم لي في شهر عظمت حرمته وأوجبت حقه ملائكتي أدخلوا عبادي وإمائي الجنة"، ثم قال جعفر بن محمد (عليه السلام):"هذا لمن صام من رجب شيئا ولو يوما واحدا في (من) أوله أو وسطه أو آخره".