بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم اخوة الايمان واهلا بكم في حلقة أخرى من هذا البرنامج، وتفسير آيات أخرى من سورة يوسف المباركة ولنسمع الآن الى تلاوة الآية الحادية والستين من هذه السورة المباركة حيث يقول تعالى:
قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ﴿٦١﴾
بعد أن حل القحط ببلاد مصر وكنعان، جاء أبناء يعقوب الى مصر وطالبوا يوسف أن يعطيهم حصتهم من القمح، وقالوا إن لنا أب كبير في السن وأخ يخدمه ونريد حصتيهما كذلك.
وقبل يوسف (ع) ذلك وكان قد عرفهم، أما هم فلم يعرفونه وقال لهم في المرة القادمة اصطحبوا معكم أخاكم الصغير وإلا فلا حصة لكم من الطعام.
ووافق إخوة يوسف على طلب خازن بيت المال وقالوا له في المرة القادمة سنبذل وسعنا لإقناع أبينا باصطحاب اخينا.
كان أبناء يعقوب يعرفون جيدا أن أباهم على علم بحسدهم ليوسف وأخيه بنيامين عليهم السلام وأنه وبعد ماجرى ليوسف (ع) لن يسمح بفصل إبنه بنيامين عنه، فكيف بالسماح له بالسفر الطويل مع إخوة يشتعل نار الحسد في قلوبهم.
والآن الى الآية الثانية والستين من سورة يوسف عليه السلام:
وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿٦٢﴾
من أجل أن تسنح فرصة أخرى لمجيء إخوة يوسف الى مصر ومعهم بنيامين، أمر يوسف عليه السلام من دون أن يطلع إخوته بوضع المال الذي دفعوه لشراء القمح بين بضاعتهم.
ومن الواضح أن يوسف عليه السلام لم يأخذ هذا المال من خزانة مصر وهو الحافظ الأمين لها بل دفعه من جيبه الخاص. ولم يفرط على الاطلاق بالمال الحاصل من بيع الغلات. ونتعلم من هذه الأية:
- أن صلة الرحم وهي أمر حث عليه القرآن الكريم والأحاديث الشريفة كثيرا تدعو الى نزع أثواب الحقد الرثة عن النفوس والتغاضي عن السيئات بدافع العفو والمسامحة.
- في تعامل يوسف عليه السلام درس كبير في سمو الأخلاق وعلو النفس، ذلك أن سيدنا يوسف عليه السلام واجه إساءة إخوته له بالاحسان، لقد أعطاهم من الغلة حصتهم وأعاد لهم ثمن ذلك من ماله الخاص.
والآن الى تلاوة الآيتين الثالثة والستين والرابعة والستين من سورة يوسف(ع):
فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿٦٣﴾
قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ ۖ فَاللَّـهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴿٦٤﴾
على أثر تأكيدات نبي الله يوسف (ع) على مجيء بنيامين الى مصر في الرحلة القادمة، تعهد إخوة يوسف أمام أبيهم يعقوب على الحفاظ على سلامة بنيامين في حله ورحاله.
في قرارة نفس سيدنا يعقوب (ع) لم تكن هناك رغبة لإرسال بنيامين مع إخوته الى مصر، ومن ناحية أخرى كان يرى نفسه مضطرا الى الموافقة على أن يصطحب الأخوة أخاهم لكي يؤخذ له سهمه من الغلة وكان بعد كل هذا أن وافق على مفارقة بنيامين مستودعا إياه رعاية الله وحفظه فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين. أما الذي نستفيده من هذا النص القرآني الكريم فهو:
- في الظروف الصعبة والحرجة لابد من التوكل على الله تبارك وتعالى واستمداد العون منه، وفي اللجوء اليه جلت قدرته راحة للبال وهدوء للقلب ولعل هذا هو المعنى المستوفى من قوله تعالى ـ ألا بذكر الله تطمئن القلوب-
- لا ينبغي الانزواء والعزلة عن الناس لمجرد تجربة مرة وهنا فإن تجربة يعقوب المرة مع أبنائه لم تحل دون أن يقرر إرسال بنيامين معهم الى مصر.
ويقول تعالى في الآية الخامسة والستين من سورة يوسف(ع):
وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ ۖ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي ۖ هَـٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا ۖ وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ۖ ذَٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ ﴿٦٥﴾
كما ذكرنا فإن يوسف عليه السلام أعاد لإخوته المال الذي دفعوه ثمن الغلة، لكن من دون أن يعلموا حيث أمر بوضعه في أمتعتهم.
لم يرد يوسف (ع) المال بشكل مباشر الى إخوته كي لايثير تساءلهم ولعله فعل ذلك أيضا من أجل أن لايحقرهم، فيتصورون أن صاحب الغلة إنما رد المال اليهم لأنهم فقراء.
لقد أراد يوسف من وراء عمله هذا أن يقدم خدمة من دون منة لكن إخوة يوسف (ع) عندما عادوا الى أبيهم ووجدوا المال في متاعهم لم يدر في تصورهم أن الذي فعل ذلك يوسف عليه السلام إنما اعتبروا ماحصل من قبيل محالفة الحظ لهم وحسن الطالع.
وما تفيده لنا هذه الآية المباركة لنا:
- أن على الرجل تقع مسؤولية ادارة شؤون الأسرة المالية والاقتصادية، حتى وإن كانت الأسرة تضم الوالدين أيضا.
- أن تقسيم المواد الغذائية على سبيل الحصص بين الناس امر لازم في الظروف الاستثنائية من أجل رعاية العدالة بين أبناء المجتمع. فلا يجحف حق أحد وهذه هي طريقة أنبياء الله عليهم السلام ومنهم سيدنا يوسف عليه السلام.
طبتم وطابت اوقاتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.