بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الهداة المهديين.
السلام عليكم أيها الكرام وأهلا بكم في حلقة أخرى من نهج الحياة وقد أكملنا حتى الآن تفسير 55 آية من سورة يوسف (ع) وها نحن بادئون بتفسير للآيتين السادسة والخمسين والسابعة والخمسين من هذه السورة حيث نستمع معا الى تلاوتها اولا:
كَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٥٦﴾
وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴿٥٧﴾
في الحلقة الماضية من هذا البرنامج ذكرنا أن ملك مصر لما لمس من يوسف (ع) الصدق والأمانة قربه اليه وجعله يشارك في إدارة امور البلاد.
ويستفاد من هاتين الآيتين أن ارادة الله تعالى هي التي شاءت أن يتبوأ يوسف عليه السلام هذه المكانة الرفيعة. ومن دون الدخول في تفاصيل مبحث الارادة نقول أن المشيئة الإلهية هي التي تحدد مجريات الأمور في هذا العالم تكوينا لكن بعيدا عن الجبر المطلق والتفويض المطلق وإن من سنن الله في خلقه أن يرى المؤمنون جزاء أعمالهم في هذه الدنيا، حيث تشملهم العناية الربانية وتحيطهم الرحمة الصمدانية.
وعلاوة على الجزاء في الدنيا فإن في الآخرة الجزاء الأوفر وحسن العاقبة والآخرة خير وأبقى، لكن ذلك مشروط بالايمان والتقوى فالاحسان من دون ايمان له في الدنيا جزاء وليس له في الآخرة مكان.
أما الدروس المستقاة من هذا النص القرآني الشريف فهي:
- أن سنة الله تعالى تقتضي أن تكون العزة للمؤمنين والمتقين هذا مايريده الله وإن كره ذلك الظالمون.
- في الرؤية التوحيدية الإلهية لايوجد عمل من دون جزاء.
- إن الجزاء الأخروي أسمى من الجزاء الدنيوي. ذلك أن الجزاء الأخروي لايخضع كما في الدنيا ليقود الزمان وحدود المكان .
والى الآية الثامنة والخمسين من سورة يوسف(ع):
وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴿٥٨﴾
استنادا الى ماتوقعه يوسف(ع) فإن الغيث والمطر هطل على مدى سبع سنين وكان إن إزدادت النعم والخيرات.
لكن بعد تلك السنين جاءت أعوام القحط والجفاف ولم يقتصرا على مصر وحدها بل بدت آثارهما في فلسطين وكنعان.
وأرسل سيدنا يعقوب (ع) أولاده الى مصر لجلب القمح منها والتقى أولاد يعقوب بخازن بيت المال في مصر الذي كان نبي الله يوسف عليه السلام.
لم يعرف الأخوة أخاهم يوسف(ع) الذي كانوا قد تخلصوا منه يوما من الأيام حينما القوة في غيابة الجب مرور السنين والأعوام حالت دون معرفة يوسف(ع) كما أنه لم يدر في خلد إخوته أن يكون يوسف على قيد الحياة فكيف بتبوأه مقاما شامخا في مصر.
ودار الزمان دورته ووقف المغرورون من إخوة يوسف عليه السلام وقفة الخاضع أمامه يطلبون منه القوت والغذاء ولم ير نبي الله يوسف عليه السلام الوقت مناسبا لأن يعرف نفسه لإخوته.
وعامل يوسف (ع) اخوته معاملة الغرباء وأمر أن يعطوا من القمح كغيرهم. وما نتعلمه من هذه الآية:
- أن واجب الايمان يقتضي اغاثة المنكوبين ومساعدة المعوزين وإن كانوا في بلاد أخرى وفي هذا رعاية للجوانب الانسانية فالناس كما يقول اميرالمؤمنين علي عليه السلام صنفان فإما أخ لك في الدين أوشريك لك في الخلق.
- في الظروف الحرجة لابد من النظر الى الناس بعين سواء ورعاية العدالة في توزيع الامكانيات الاقتصادية.
والى الآيتين التاسعة والخمسين والستين من سورة يوسف(ع):
وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ ۚ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ﴿٥٩﴾
فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ ﴿٦٠﴾
كما يستفاد من التفاسير فإن أخوة يوسف(ع) حينما أخذوا سهمهم من القمح قالوا ان لنا أخ من أبينا لم يحضر معنا.
أما يوسف(ع) فقال لهم لابد أن يحضر في المرة القادمة أخيكم، قالوا لقد تركناه عند أبينا وهو شيخ كبير كي يقوم على خدمته. فقال لهم يوسف هذه المرة أعطيكم حصة أخيكم وأبيكم، لكن في القادم إذا لم يأت أخوكم معكم فليس لكم من الطعام حصة ولا من الكيل شيء.
وفي هذا النص مايوضح أمانة سيدنا يوسف عليه السلام في الحفاظ على بيت المال وأدائه المسؤولية المناطة به على الوجه الأحسن والأكمل.
والى مانستقيه من هذا المنهل العذب:
- لاينبغي استغلال الأوضاع الحرجة وتحويلها الى ظروف وأجواء انتقام. لقد عرف يوسف عليه السلام اخوته، إلا أنه عاملهم بالاحسان وإن كانوا هم قد أساءوا اليه وفي هذا درس بليغ نتعلمه من هذا النبي الكريم بخلقه الرفيع وشأوه المنيع.
- الناس أمام القانون سواء لافضل لأحد على أحد وإن كان من الأقارب والأهل.
- لابد من الحزم في اجراء القوانين وتطبيقها وليس هنا من سبيل الى العواطف والاحاسيس.
غفر الله لنا ولكم ووفقنا واياكم لحسن العمل وفعل الخيرات، إنه جواد كريم والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.