بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله الطاهرين.
السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم ورحمة الله وبركاته.
ها نحن نضيء القلوب والأبصار مرة أخرى بمصابيح القرآن الكريم، ونتابع تفسير آيات أخرى من سورة يوسف، حيث البداية من الآية الثالثة والخمسين من هذه السورة الشريفة:
وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٥٣﴾
علمنا أن سيدنا يوسف عليه السلام اشترط لخروجه من السجن اثبات براءته من التهمة التي الحقتها زليخا به زورا وبهتانا.
إن زوجة العزيز قد اعترفت بخطيئتها أمام الملك وبرئت ساحة سيدنا يوسف (ع) وثمة نقطة مهمة يمكن أن نستقرئها من هذه الآية الشريفة وهي أن نفس الانسان أمارة بالسوء تدعوه الى الرذيلة والانحطاط وتثير في وجوده الغرائز الحيوانية ومايكبح جماح هذه النفس الأمارة إلا رحمة البارى تبارك وتعالى.
نعم إن النفس لأمارة بالسوء إلا مارحم ربي، وهذه النفس كما ورد في الحديث الشريف أعدى أعداء الانسان، وعلى أي حال فالانسان في تركيبته وكما أراد الله تعالى له عنده العقل وعنده الشهوة والعقل إذا ماغلب على الشهوة سمى الانسان وربما صارأفضل من الملائكة التي عندها العقل فقط وإن غلبت الغريزة فهي الطامة الكبرى حيث النزول دون الحيوانات.
وفي القرآن الكريم تم ايضاح حالات النفس الانسانية:
الأولى تكون النفس فيها في المستوى الحيوانى، إن مثل هذه النفس تسوق الانسان نحو الغريزة الحيوانية وتحثه على اشباعها وهذه هي النفس الأمارة بالسوء. وفي حالة ثانية أو لنقل أعلى، تأتي النفس اللوامة، هذه النفس تؤنب ضمير الانسان وتحثه على صحيح أخطائه وصولا الى التمسك بخيوط التوبة وطلب المغفرة من الله تعالى شأنه. وهناك النفس وهذه هي التي بين جنبي أي نبي أو ولي من انبياء الله واوليائه الكرام.
إن الانبياء والاولياء عليهم السلام يبقون محافظين على ايمانهم بالله في احلك الظروف بفضل النفس المطمئنة المودعة في وجودهم القدسي. ولهذا فإنهم يمرون بالإختبارات والابتلاءات الإلهية، ويخرجون منها مرفوعي الرؤوس.
وبعد كل ما ذكرنا فإن نبي الله يوسف عليه السلام لايغتر بطهارة نفسه ويرى أنه انسان كسائر الناس، لكن الله تعالى قد حباه بلطفه ورحمته فأبعد عنه السوء والفحشاء. وما يمكن أن نتعلمه من هذه الآية:
- إن العصمة لله وللرسل والأنبياء والأئمة سلام الله عليهم وكل ابن آدم خطاء وخيرالخطائين هم الخطائون.
- لاينبغي أن ييأس الانسان من رحمة الله فرحمته تعالى وسعت كل شيء.
والى الآية الرابعة والخمسين من سورة يوسف عليه السلام:
وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ﴿٥٤﴾
بعد أن ثبت للملك براءة يوسف (ع) ونزاهته وعلو همته ونجابته دعاه اليه وأخذ يستشيره في أمور البلاد.
أدرك الملك أن يوسف على جانب كبير من العلم والمعرفة والذكاء فأمر كل رجال الحكم بإطاعته عليه السلام لأنه جمع خصوصيتين الأولى الكفائة والاقتدار. والثانية: الأمانة، ولاريب أن هاتين الخصلتين لهما من الأهمية مالهما في ادارة دفة الحكم وكذلك تسيير أمور البلاد والرعية بالصورة المطلوبة. وما يستفاد من هذه الآية:
- للإضطلاع بالمسؤوليات الحساسة هناك أمران مهمان هما ما في الشخص والكفاءة والقدرة على انجاز الاعمال.إن الصدق والأمانة لوحدهما ليسا كافيين، إذ لابد الى جانب ذلك من الاقتدار والعزم الرصين.
- إن الانسان الصادق والامين هو موضع ثقة واحترام الجميع بما في ذلك الملوك والفقراء والأغنياء والكفار والمؤمنين.
ويقول أصدق القائلين في الآية الخامسة والخمسين من سورة يوسف عليه السلام:
قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴿٥٥﴾
بعد أن استدعى ملك مصر يوسف(ع) وعينه مستشاره الخالص وبعد أن ثبت لدى الملك كفاءة يوسف وأمانته، اقترح سيدنا يوسف عليه السلام أن تسند اليه مسؤولية الخزانة المالية في مصر وقد وجد نفسه بفضل الله أمينا وحافظا لهذه المسؤولية.
واستنادا الى الرؤيا التي رآها الملك وكان يوسف (ع) قد فسرها كان لابد أن يدخر القمح في السنوات السبع الأولى وفي السنوات السبع الثانية يوزع بشكل عادل بين الناس، وأعلن يوسف عليه السلام استعداده لقبول هذه المسؤولية الاقتصادية وفي الحقيقة أن سيدنا يوسف (ع) وضع نفسه امام مسؤولية مهمة فهولم يكن ليبحث عن الأبهة والجاه، إنه كان يسعى وراء توفير رزق الناس ورفاههم في أيام القحط والجفاف.
إن الحكم عند سيدنا يوسف (ع) هو وسيلة لاغاية يراد منها توفير الأمن والاستقرار والسعادة والرفاه للناس.
أما الدروس المستفادة من هذا النص القرآني المبارك فيمكن لنا ايجازها في النقطتين التاليتين:
- لامانع من إبداء الكفاءة والمقدرة واظهار الاستعداد لتسنم المسؤوليات المهمة والحساسة.
- في استناد المسؤوليات الجسام ليس الملاك العرق والعنصر إذ المهم هنا الكفاءة والقدرة على تحمل المسؤولية.
لم يكن يوسف (ع) من أهل مصر بل دخلها غلاما مملوكا، لكن مارأى الملك فيه القدرة والأمانة ولاه منصبا رفيعا.طبتم وطابت أوقاتكم والى اللقاء.