بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي خير البرية وهاديها الي الحق، سيدنا محمد وآله الطاهرين وسلام من الله عليكم حضرات المستمعين الأكارم ورحمة منه وبركات.
هذه حلقة أخري من برنامج نهج الحياة حيث تفسير آيات أخري من سورة يوسف المباركة. والآن ننصت خاشعين الي تلاوة الآية الخمسين من هذه السورة:
وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴿٥٠﴾
فسر سيدنا يوسف(ع) رؤيا الملك من دون أن يطلب شيئا بل إنه أبان كذلك السبل الكفيلة بالتخلص من القحط حين حدوثه في مصر بيد أنه – عليه السلام- رفض دعوة الملك حينما أراد إحضاره من السجن لأنه أراد أن يبين أولا السبب الحقيقي لحبسه، سيما وانه لم يرتكب ذنبا يستحق العقاب، إنه عليه السلام وكما يتضح من الآية يشير الي حيلة ومكر نساء البلاط ولعل يوسف عليه السلام أراد بذلك أن يذكر الملك ورجال بلاطه بما حدث له في قصر العزيز وبالتالي أن يفهم الملك وحاشيته الحقيقة وهي عدم ارتكابه الذنب فلماذا القي به في السجن؟! ولم يكن – عليه السلام- يريد من الملك عفوا يمن به عليه. إنه اراد أن يفهم الملك أن في مملكته من الظلم والإجحاف شيء كثير.
علي أي حال فإن الصبر والاستقامة كانا يلازمان سيدنا يوسف عليه السلام، وقد جاء في الروايات أن رسول الله (ص) أثني علي يوسف الصديق عليه السلام إذ لم يشترط الإفراج عنه لتفسير حلم الملك، وإنما رفض الخروج من السجن حتي يقر الجميع ببرائته، فقد كان نبي الله يوسف(ع) بريئا من أي ذنب، كما كان الذئب بريئا من دمه عليه السلام.
وما يمكن أن يفيده هذا النص:
- ان علي أي حكومة أن تستضيء بأداة أهل الفكر والعقل الصائب حتي وإن كانوا من السجناء وكذلك الإعداد للإفراج عنهم.
- ليس للحرية علي الدوام قيمة، بل إن الأهم من الحرية إعادة الكرامة المهدورة.
والآن الي تلاوة الآية الحادية والخمسين من سورة يوسف حيث يقول جل شأنه:
قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ۚ قُلْنَ حَاشَ لِلَّـهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ ۚ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴿٥١﴾
إن من سنن الله تعالي كما جاء في القرآن الكريم، الفرج بعد الشدة الذي يأتي جزاء للتقوي والصلاح. إن زوجة العزيز، زليخا، هي التي كانت قد اتهمت يوسف عليه السلام بالخيانة وكانت السبب في ايداعه السجن، لكنها هي اليوم تعيد الحق الي نصابه إذ أن إرادة السماء شاءت أن يظهر الحق ويزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.
إن زليخا أقرت ببراءة يوسف(ع) وصدقه وهو ما أعد الأجواء للإفراج عنه فخرج من السجن مرفوع الرأس، عالي الهمة، لأن الحق كان معه وهو مع الحق.
أما ما نتعلمه من هذه الآية فهو:
- إن الحق لايبقي علي الدوام خفيا ومستورا، كذلك الباطل فإنه لايدوم.
- إن العفة والتقوي في العلاقات الاجتماعية هما من الأمور التي يعترف بضرورتها الجميع حتي اولئك الذين تلوثوا بادران الرذيلة والانحطاط.
ويقول تبارك وتعالي في الآية الثانية والخمسين من سورة يوسف (ع):
ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴿٥٢﴾
لعلماء التفسير رؤيتان حول هذه الآية، فجماعة يرون أن هذا الكلام هو استمرار لكلام زليخا زوجة عزيز مصر.
وبعبارة أن زليخا أرادت القول انني كنت اريد ارتكاب المعصية أما يوسف(ع) فقد كان عفيفا طاهر الذي لم يدنسه بالإثم ابدا إلا أن أغلب المفسرين يرون أن هذا كلام سيدنا يوسف عليه السلام وإنه أراد أن يقول إذا ما اشترطت الخروج من السجن بإيضاح ما حصل للنساء أمامي في قصر زليخا فلأنني أردت أن أثبت برائتي وإني لم ارتكب الخيانة.
وعلي أي حال وحسب قول الفريق الثاني من المفسرين فإن يوسف (ع) لم يكن يريد من وراء إحياء الحدث الذي مرت عليه أعوام الانتقام أوالتشفي، وحاشا لنبي من انبياء الله أن يفعل ذلك، بل إنه أراد اثبات براءته وطهارة ساحته المقدسة سلام الله عليه.
والملفت للنظر هنا أن يوسف(ع) ينسب وضوح الحقيقة الي الله تعالي من أجل أن يفهم الملك أن إرادة الباري جلت قدرته نافذة في خلقه وفي كل ما في هذا العالم من أحداث، وذلك قوله تعالي – وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ...-
والي الدروس التي نأخذها من هذه الآية فهي:
- خيانة الآخرين أمر مذموم حتي وإن كانوا من الكفار والظالمين.
- علامة الايمان الحقيقي الابتعاد عن الخيانة في السر وفي العلن.
- إن الله تبارك وتعالي لا يقبل أن يراق ماء وجه الأخيار علي أيدي الأشرار، بل إن الذلة والهوان للأشرار الذين حبط عملهم في الدنيا والآخرة وباءو بالخسران المبين.
نسأل الله تبارك وتعالي أن يجعلنا من خيار خلقه وأن يلهمنا عمل الخير ويجنبنا الشر والاشرار إنه القادر الجبار آمين يا رب العالمين.
هكذا مستمعينا الأفاضل أنهينا بإذنه تعالي تفسير 52 آية من سورة يوسف المباركة. الي اللقاء والسلام خير ختام.