بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام علي المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد المصطفي وآله الطاهرين.
السلام علي مستمعينا الأكارم في كل مكان وأهلا بهم في حلقة أخري من برنامج نهج الحياة.
وكنا قد تابعنا في الحلقات الماضية أحداثا في قصة سيدنا يوسف(ع) منذ طفولته وحتي شبابه وكيف أنه عليه السلام مرّ باختبارات إلهية عدة خرج منها صابرا محتسبا وهذا هو شأن الأنبياء والأولياء عليهم أفضل الصلاة والسلام.
ومن بعد هذه المقدمة تعالوا لنسمع صوت الملكوت الإلهي، صوت القرآن الكريم، حيث يقول الله تبارك وتعالي في الآيتين الرابعة والأربعين والخامسة والأربعين من سورة يوسف:
قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ۖ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ ﴿٤٤﴾ وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ ﴿٤٥﴾
كان ملك مصر قد رأي في المنام رؤيا كانت بالنسبة له عجيبة حيث رأي سبع بقرات سمان وسبعا عجاف يأكلن السمان والي جانب السبع السمان سبع سنابل خضر والي جانب السبع العجاف سبع سنابل يابسات، ولم يتمكن أي من رجال بلاطه من تفسير هذه الرؤيا ولذلك قالوا له: إن ما رأي هو أضغاث أحلام ليس إلا لكن الذي كان في السجن وقد فسر يوسف(ع) له رؤياه تذكر يوسف وكيف أنه وعده أن يهيء الأجواء لإطلاق سراحه.
هذا الرجل طلب من الملك أن يبعثه الي السجن ليسأل يوسف عن تفسير رؤيا الملك.
ويستفاد من هذا النص:
- ليست الرؤيا الصادقة عند أولياء الله فقط، بل قد يراها ملك كملك مصر.
- لابد من التعريف بالعلماء وأهل الخبرة والاختصاص إذا كانوا في عزلة كي يستفيد الناس من علمهم وخبراتهم.
ويقول تعالي في الآية السادسة والأربعين والسابعة والأربعين من سورة يوسف:
يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿٤٦﴾
قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ ﴿٤٧﴾
بعد أن وافق الملك علي أن يتوجه ذلك الرجل أي صاحب يوسف(ع) السجن ليسأل الصديق عن رؤيا الملك، قابله يوسف بكل رحابة صدر ولم يعاقبه علي نسيانه إياه ولم يشترط سيدنا يوسف عليه السلام الإفراج عنه مقابل تفسير رؤيا الملك وكان في إمكانه ذلك، بل أنه فسر الحلم وأبان كذلك سبل مواجهة القحط الذي كان في انتظار بلاد مصر.
وهنا تتجلي في شخصية نبي الله يوسف العديد من محمود الصفات مثل العلم وحسن التخطيط وصواب الإدارة.
وفي هذا النص كما هو واضح تبدو صفة الصديق الملازمة لسيدنا يوسف(ع) فهو صادق في القول وفي الفعل.
إن الصدق صفة جميلة وهي تبدوا أكثر جمالا أمام الكذب والكثير من الناس في كل زمان ومكان يفتقدون صفة الصدق، إنهم يقولون ولايفعلون.
ويستفاد من آيات الذكر الحكيم أن لقب الصديق كان كذلك لسيدنا ابراهيم وسيدنا ادريس علي نبينا وآله وعليهما الصلاة والسلام.
هذا وإن الرسول الأكرم (ص) قد أطلق هذا اللقب علي الامام اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، وكان سلام الله عليه يفتخر بهذا اللقب ويقول – أنا الصديق الأكبر وأنا الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل وأنا يعسوب الدين-
أما مانستفيده من هاتين الآيتين فهو:
- أن علي الحكومات من أجل رفع المشاكل وإزالة الأزمات، الاستفادة من علوم واختصاصات النخبة من العلماء وذوي الاختصاص.
- إن من الواجبات الأساسية للحكومات التحضير لمواجهة ماقد يحدث في المستقبل من أزمات اقتصادية وإعداد البرامج والخطط بما يتلائم وكيفية إدارة الأزمة.
- إن الرجال الربانيين وقبل أن يبحثوا عن طرق حل مشاكلهم يعملون علي إزالة ما قد يلاقيه المجتمع من مشاكل وأزمات.
رابعا: إن التدبير والتخطيط للمستقبل لايتنافي مع التوكل علي الله تبارك وتعالي، بل لابد من خلال التدبير من استقبال التقدير.
والي الآيتين الثامنة والأربعين والتاسعة والأربعين من سورة يوسف(ع):
ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ ﴿٤٨﴾ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴿٤٩﴾
بشكل كامل ودقيق فسر سيدنا يوسف عليه السلام رؤيا ملك مصر وقال: إن أمامكم سبع سنين يكون الماء فيها وفيرا، إذن عليكم استغلال هذه الفرصة للزراعة، ولابد من استهلاك القليل من المحاصيل الزراعية والاحتفاظ بالباقي. ومن بعد سنين الرخاء تلك تأتي سنين عجاف فيها من محاصيلكم تأكلون والقليل منها تدخرون. ومن بعد سنين الشدة تنفرج الأزمة، حيث يأتي عام تهطل فيه الأمطاربغزارة.
وبنزول الغيث الوفير يستفاد الناس من الفاكهة بألوانها وحبوب الزيت بأشكالها.
والي مايمكن أن نستخلصه من هذا النص فهو:
- إن مراعاة جانب الاحتياط لمواجهة الظروف الطارئة والأزمات أمر مطلوب، ومن ذلك ادخار المواد الغذائية والمحاصيل الزراعية. وليس في هذا أي تعارض مع التوكل علي الله تبارك وتعالي لحل الأزمات وأن هذا النوع من الإدخار ليس من قبيل الاحتكار الذي يتعارض واحكام الشرائع الإلهية لما فيه من ضرر اقتصادي علي الفرد والمجتمع عامة.
- إن دراسة الأحوال الجوية أمر مفيد للزراعة، واليوم نلاحظ وجود دوائر الأنواء الجوية في كل بلد.
هكذا أيها الأخوة والأخوات آتينا علي تفسير آيات أخري من سورة يوسف(ع).
وعودة بإذن الله الي هذه السورة وآياتها في الحلقة القادمة دمتم ودامت أوقاتكم بالسعادة والسلام خير ختام.