بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأزكي التسليم علي سيد الخلق أجمعين،أبي القاسم محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم مستمعينا الأكارم، هذا لقاء قرآني جديد، ومتابعة لقصة سيدنا يوسف (ع) التي عرضها الذكر الحكيم في أحسن القصص ونبدأ بالآية السابعة والثلاثين:
قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ۚ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴿٣٧﴾
كان مع يوسف في السجن إثنان من بلاط فرعون، وقد طلبا من يوسف(ع) أن يفسر لهما ما رأيا في المنام بعد ماشاهدا من يوسف الصدق والنبل وفضائل الأخلاق وكريم الصفات وتدلنا هذه الآية أن يوسف(ع) وعد الرجلين أن يفسر لهما ما رأيا، ثم تحدث يوسف(ع) عن الشرك والكفر وقال إن ماتفضل الله به علي من تفسير الأحلام هو لأنني قد سلكت سبيل الإيمان وتركت ماكان عليه قومي من الشرك.
إن من لطف الله علي أن هداني الصراط المستقيم وجنبني الكفر الذي عند قومي اولئك الذين يرون أن الدنيا هي آخر منزل للانسان وأنه لا يوم للمعاد. والملفت للنظر هنا أن يوسف عليه السلام كان يعرف أن الرجلين علي الشرك، لكنه لم يقل لهما أنكما مشركين، بل أشار الي كفر قومه وشركهم.
وما نتعلمه من هذه الآية:
- إن من ينأي عن ظلام الكفر والشرك فإن الله تعالي يفيض علي قلبه نور العلم والحكمة ويعرفه علي حقائق ليس للآخرين سبيل اليها.
- لابد من اغتنام الفرص، فإنها كما يقول مولانا امير المؤمنين علي عليه السلام، تمر مر السحاب. وهنا نلاحظ أن سيدنا يوسف عليه السلام قد استفاد من فرصة سنحت له وفي السجن مارس نشاطا عقائديا وثقافيا.
ويقول جلت قدرته في الآية الثامنة والثلاثين من سورة يوسف المباركة:
وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّـهِ مِن شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ اللَّـهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴿٣٨﴾
ويواصل سيدنا يوسف عليه السلام حديثه حول الكفر والشرك فيقول مامضمونه: إن كنت قد تخليت سبيل قومي فإني لم أتوجه الي هوي النفس وغاياتها، بل سلكت نهج أنبياء الله العظام عليهم السلام من أجدادي مثل ابراهيم واسحاق ويعقوب إذ أنه ليس من الصواب العزوف عن طريق الرسل الهداة الذين بعثهم الله لطفا للناس ورحمة.
وللأسف أن أكثر الناس قد تركوا طريق الأنبياء (ع) وذهبوا في الكفر والشرك مشارب أشتاتا.
أما مانتعلمه من هذا النص فهو:
- أن الافتخار بالأجداد وطرقهم أمر مقبول إذا كانوا علي الصواب.
- أن من نعم الله علي خلقه أن بعث فيهم من أنفسهم انبياء ولابد من شكر هذه النعمة ومن لم يشكر فقد ضل ضلالا بعيدا.
والي الآيتين التاسعة والثلاثين والأربعين من سورة يوسف، حيث يقول أصدق القائلين:
يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّـهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴿٣٩﴾
مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّـهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّـهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٤٠﴾
وهو في السجن، يستمر سيدنا يوسف عليه السلام في الحديث عن أهمية الإيمان ونبذ الكفر ولزوم التوحيد في العبادة والإبتعاد عن الشرك أيا كان شكله ونوعه.
ويقول سيدنا يوسف أن الشرك هو اتخاذ عدة أرباب بدلا من عبادة الله الواحد الأحد والفرد الصمد.
إن المؤمنين يعبدون إلها واحدا بيده ازمة الأمور وهو علي كل شيء قدير تباركت أسماؤه وجلت آلائه. إذن هل الله القادر المتعال أجدر بالعبادة والشكر أم الأرباب المتفرقين؟
إن الله تبارك وتعالي يأمر الخلق بالطاعة له وحده ومن أمر عزوجل بطاعته كرسله وولاة الأمر- عليهم السلام-.
وما يستفاد من هذا النص يمكن إدراجه في النقطتين التاليتين:
- إن من أساليب الدعوة الصالحة الي الدين الحق هو إجراء مقارنة بين الإيمان والكفر والتوحيد والشرك والحق والباطل والصواب والخطأ.
- إن عقائد الانسان لابد أن تكون قائمة علي أساس الدليل والبرهان العقلي أو دليل الوحي ولاجدوي من عقيدة هي تقليد أعمي لما كان عليه الآباء والأجداد فليس للإنسان أن يقول إني وجدت آبائي علي أمة وإني لآثارهم لمقتد.
إن الله تبارك وتعالي قد أقام الحجة البالغة علي الخلق. حجة العقل أو البرهان العقلي وحجة الوحي أو الدليل الوحي.
وجاء هذا الأمر في تعبير الحجة الظاهرة والباطنة، كما هو مدلول حديث الإمام موسي بن جعفر الكاظم صلوات الله وسلامه عليه، حيث قال لهشام بن الحكم وكان من تلامذته ( إن لله علي الناس حجتين، حجة باطنة وحجة ظاهرة فأما الباطنة فالعقل وأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام).
ثبتنا الله واياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، وجعلنا من المتمسكين بحبل الله المتين الرسل والأنبياء والأئمة الميامين.
ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
دمتم في رعاية الله وحفظه والسلام خير الختام.