بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وآله الطاهرين.
أسعد الله أوقاتكم أيها الأخوة والأخوات، وأهلا بكم في حلقة أخري من نهج الحياة.
آيات أخري من سورة يوسف نفسرها بإيجاز في هذه الدقائق المعدودات، حيث في هذا التفسير متابعة لأحداث أخري في أحسن القصص وماجري ليوسف بن يعقوب علي نبينا وآله وعليهم أتم الصلاة وأزكي التسليم.
ولنسمع الي الآية الرابعة والثلاثين:
فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿٣٤﴾
علمنا في الحلقة الماضية من هذا البرنامج أن سيدنا يوسف (ع) الذي كان آية في الجمال دعا الله تعالي أن يهيء له السجن، إذ السجن أحب اليه مما دعوه، إنه أراد السجن الذي هددته زليخا به ليتخلص من نزواتها ونزوات غيرها من النساء.
وفي هذه الآية الشريفة بيان في أن الله استجاب لدعاء يوسف (ع) وأنجاه من كيد النساء وإن كيدهن لعظيم.
إن القرآن الكريم يريد أن يبين هنا أن للإنسان إرادة وإن إرادة الخالق المتعال هي التي تتحكم في هذه الإرادة وهذا المعني يتجلي في قوله تعالي. وماتشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين.
وها هنا درس وعبرة للمؤمنين هي أن الله يحبط مكر الماكرين ويجعل عملهم سرابا. ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، صدق الله العلي العظيم.
وما يمكن أن نتعلمه من هذه الآية:
- إذا كان الانسان يطلب العفة وطهارة الثوب فإن الباري يهن له أسباب ذلك ويحقق له مايريد.
- أرادت زليخا أن تعاقب يوسف بالسجن وكان لاذنب له، لكنه (ع) اختار السجن لكي يتخلص من الإثم والمعصية.
وفي إشارة مقتضبة نقول أن الأنبياء (ع) معصومون ولايرتكبون أية معصية كبيرة كانت أوصغيرة بفعل قوة العصمة القدسية لديهم ويقول تعالي شأنه في الآية الخامسة والثلاثين من سورة يوسف(ع):
ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ ﴿٣٥﴾
إن من خصائص الأنظمة الطاغوتية أن يجعلوا محاور الأمور، تمنيات الحكام ورجال البلاط سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة. في مثل هكذا أنظمة ينظر الي الناس علي أنهم خول وعبيد للحكام يتصرفون فيهم كيفما يشاؤون. وفيما حصل ليوسف(ع) اتضح للجميع أن هذا النبي الصديق لم يدنس ثوبه الطاهر بالرذيلة بل أن زليخا هي التي أرادت إشباع غرائزها وقد أقرت أمام الجميع بما همت به من ارتكاب المعصية.
إن بلاط عزيز مصر أراد أن يحفظ لإمرأة العزيز زليخا ماء وجهها فقرر حبس يوسف(ع) كي تزال الشائعات وينتهي الأمر.
أما مانستفيده من هذه الآية فهو:
- أن الحفاظ علي العفاف والنزاهة ليس بالأمر اليسير في ظل الأنظمة الطاغوتية.
- في المجتمع غير النظيف فإن ذوي الشهوات في دعة ورخاء وعلي العكس الطيبون والطاهرون في سجن وشقاء.
والي الآية السادسة والثلاثين من سورة يوسف(ع):
وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٣٦﴾
أخذ الصديق يوسف(ع) السجن بناءا علي أمر العزيز وكان إن دخل السجن معه اثنان من موظفي البلاط الفرعوني لقد رأي كل منهما رؤيا أراد معرفة تعبيرها. فحدثا يوسف(ع) بما رأيا في المنام بعد ما أن رأيا فيه خلوص النية ونقاء السريرة.
أجل إن الأتقياء حتي وإن اتخذوا الي السجن سبيلا فإنهم يبقون محل ثقة واعتماد الآخرين.
لقد كان لكل من السجينين رؤيا تختلف عن الأخري وإن كانت الرؤيتان عجيبتين. السجينان أيقنا إن ما رأيا كان له علاقة بمصيرهما.
وكيفما كان فإنه لنبي الله يوسف(ع) مكانة في السجن حتي أنه كان عونا للمعوزين والمرضي من السجناء.
يوسف(ع) كان سجينا إلا أنه كان مضرب المثل في الفضائل والأخلاق. والي ما نستفيده من هذه الآية فهو:
- إن أهل الاحسان أينما حلوا كانوا محل احترام وتقدير الآخرين حتي وإن ساربهم القدر الي السجن حيث المجرمين والمذنبين.
- إن الاحسان الي السجناء وخدمتهم، كانت الخطوة الأولي في مسيرة سيدنا يوسف(ع) من أجل الدعوة الي الله تعالي وعقيدة التوحيد الخالص.
جعلنا الله واياكم علي المحجة البيضاة وأبعد عنا روح العداوة والبغضاء إنه سميع الدعاء. طبتم وطابت أوقاتكم حضرات المستمعين الأفاضل والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.