بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي المختار الصادق الأمين سيدنا وسيد الأنبياء والرسل أجمعين ابي القاسم محمد وعلي آله الهداة المهديين.
السلام عليكم إخوة الايمان وأخواته في كل مكان ، هذا لقاء قرآني جديد وجولة في رحاب أحسن القصص ، قصة سيدنا يوسف(ع) التي خصص لها الذكر الحكيم سورة كاملة، وقد أنهينا من تفسير ثلاثين آية منها والآن نستمع الي الآية الحادية والثلاثين، حيث يقول جل شأنه:
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ۖ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّـهِ مَا هَـٰذَا بَشَرًا إِنْ هَـٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ﴿٣١﴾
علمنا أن نساء مصر لما سمعن عن أمر زليخا مع يوسف(ع) ووقعوها في غرامه؛ ألقين باللائمة علي امرأة العزيز ووجهن لها سهام النقد والتقريع.
ومع كل هذا فإن النسوة كن تواقات لرؤية هذا الغلام أو الشاب الذي وقعت زليخا في غرامه وشدتها حبال العشق اليه.
من جانبها كانت زليخا ترغب في تبرير عملها والسبب الذي دفعها لأن تعشق يوسف (ع).
لقد اعتدت زليخا مجلسا للنساء في بلاط العزيز وطلبت من يوسف أن يقوم علي خدمة الضيفات، ولما رأت النسوة يوسف (ع) انبهرن لوسامته وجمال طلعته وقلن سبحان الله ما هذا ببشر إن هو إلا ملك جعله الله في صورة انسان.
إن بهاء يوسف (ع) وجماله جعل النسوة يقطعن أيديهن بالسكاكين بدلا من تقطيع الفاكهة التي كانت أمامهن. إن الذي نتعلمه من هذه الآية:
- إن سبب بعض اقسام النقد هو الحسد والتنافس لا الحرص علي الخير.
- في بعض الأحيان قد ينتقد البعض الآخرين لخطأ ارتكبوه لكن اولئك الناقدون قد يقعن في نفس الخطأ وعندها لايبالون بنقد أوتقريع.
لقد انتقدت نساء مصر زليخا، إلا أنهن لما رأين يوسف (ع) لم يتمالكن أنفسهن أمام بهائه وجماله.
والآن الي الآية الثانية والثلاثين من سورة يوسف (ع):
قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ۖ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ۖ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ ﴿٣٢﴾
كانت زليخا قد ألقت بالتقصير علي يوسف (ع) لما واجهها زوجها واعتبرت نفسها غير مذنبة، إلا أنها لما رأت رد فعل النساء أقرت بنيتها وما كان يخالج نفسها ويجول في خاطرها من طلب الوصال من يوسف(ع). لقد قالت زليخا للنساء إنكن رأيتمن كيف ان الحق معي وليس لكن ملامتي.
وواصلت زليخا كلامها للنساء إذ قالت لهن إن يوسف لم ينزل عند رغبتي ولهذا سألقيه في السجن كي يعتبر مما فعل ويعلم أن علي العبد أن يطيع أمر مولاه. والعجب أن زليخا وهي تقر بطهارة يوسف (ع) تقرر سجنه ومعاقبته.
وما تفيده هذه الآية:
- إن العفة وطهارة الذيل قيمة أخلاقية رفيعة يقر بها الجميع، سواء كانوا من ذوي الفضائل والأخلاق أم من غيرهم.
- إن الحكم إن كان لغير الأخيار، فتكون النتيجة أن يقع الأخيار في السجن. أما غير الأخيار فيستمرون في غيهم وضلالهم، ولاحول ولاقوة إلا بالله.
والآن الي الآية الثالثة والثلاثين من سورة يوسف:
قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ﴿٣٣﴾
كان عزيز مصر قد أيقن ببراءة يوسف (ع) مما نسبته زليخا اليه وكانت زليخا قد أقرت بذنبها أمام النساء، لكن الذي حدث مع هذا كله أن ألقي يوسف (ع) في السجن وفي هذا الأمر ما يدلنا علي أن بعض سكان القصور يضحون بغيرتهم في مقابل نزوات نساءهم وشهواتهن وللأسف كل الأسف أن مثل هؤلاء يتحكمون في مصائر الناس.
وفي قبال كل هذا نري أن النجباء الذين ازدانت قلوبهم بالعفة ولبست نفوسهم حلة الحياء علي استعداد لدخول السجن وتحمل مشاقه.
إنهم راضون برضا الله ويقدمون ذلك علي رضا غير الله من الناس وإن كانوا لهم أسياد؛ فطاعة الخالق فوق كل اعتبار ولاطاعة لمخلوق في معصية الخالق.
أما الدروس التي نتعلمها من هذا النص الشريف فهي:
- إن العفة ونقاء الثوب أمر في غاية الأهمية. وفي التاريخ لاحظنا الكثيرين الذين دخلوا السجن لا لجرم اقترفوه أوذنب ارتكبوه سوي النبل والشرف وهما بلا أدني ريب في سؤدد الأخلاق وعلياء الفضائل.
- إن الابتعادي عن محيط الذنوب شيء رائع وإن كان في هذا تحمل للمشاق وركوب الصعاب.
- الجهل ليس عدم المعرفة وحسب بل إن اتباع الشهوات والتحلل في وادي النزوات هو الجهل بعين ذاته.
عصمنا الله واياكم من الجهل والخطل والزلل ووفقنا للعلم والعمل والسلام أزكي الختام.