بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأفضل صلواته علي نبينا وآله الطاهرين.
أسعد الله أوقاتكم بالخير حضرات المستمعين الأكارم واهلا بكم في حلقة جديدة أخري من هذا البرنامج القرآني.
لقد قدمنا لكم حتي الآن تفسيرا موجزا لـ 24 آية من سورة يوسف، والآن نستمع الي تلاوة الآية الخامسة والعشرين:
وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿٢٥﴾
أشارت الآيات السابقة إلي أن امرأة العزيز قد وقعت في غرام يوسف(ع) ومن أجل أن ترضي نزواتها، طلبت منه بعد أن انفردت به في غرفة من غرف القصر أن يمارس الفاحشة معها. بيد أن يوسف (ع) لم يستسلم لهذه النزوة وتوجه نحو الباب عسي أن يجد له مخرجا، فسعت زليخا أن لايفلت يوسف من يدها. فأمسكت بملابسه من الخلف وهنا خلص نفسه من عندها فكان إن شق قميصه من دبر وما أن فتح الباب، حتي كان عزيزمصر قبالتهما. لقد اندهش مما رأي وقبل أن يوجه ليوسف سؤالا ينبس يوسف ببنت شفة، كانت زليخا المتكلمة لقد وجهت الكلام لزوجها إذ اتهمت يوسف(ع) بالخيانة وطلبت من زوجها أن يعاقبه بالحبس.
وما نتعلمه من هذه الآية:
- إن اللجوء الي الله تعالي لايكون بالقول وحسب بل بالعمل فعلي الانسان أن يتوجه الي ربه تعالي حتي وإن كان في أصعب الحالات.
- في بعض الأحيان قد يكون ظاهر الأعمال واحدا، لكن الأهداف تبقي مع هذا مختلفة. وفي المشهد الذي بينته الآية تحرك كل من يوسف وزليخا. يوسف فر من الإثم أما زليخا سارت نحو الإثم.
- لابد من الانتباه الي هذه النقطة وهي أن الشاكي في بعض الأحيان قد يكون هو المذنب إلا أنه يتظاهر بعدم الذنب من خلال إثارة المشاعر والأحاسيس.
والي الآية السادسة والعشرين والسابعة والعشرين من سورة يوسف:
قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴿٢٦﴾
وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴿٢٧﴾
بعد أن وجهت زليخا تلك التهمة الشنيعة، كان لابد ليوسف(ع) أن يدافع عن نفسه لقد قال أنها كانت في طلب المعصية وأما أنا فقد كنت منها فارا.
لقد تحير العزيز لما سمع عن الإثنين أفادتهما وما كان يدري ماالعمل؟ فهداه بعض من حضر من أقارب زليخا الي أن الحل هو في معرفة مكان شق قميص يوسف وقال بما أن القميص قد شق من دبر فتكون زليخا هي التي تبعته وهو كان يريد الهرب منها.
إن قصة يوسف(ع) وزليخا تذكرنا بقصة العذراء سيدتنا مريم وحملها. ذلك إن المنزه عن التهم والشبهات هو الذي يكون عرضة لسهام الإتهام.
إن العذراء مريم عليها السلام كانت أطهر نساء زمانها، لكن تهمة الزنا لاحقها حتي إنها تمنت الموت وقالت كما جاء في صريح الذكر الحكيم:
ياليتنتي مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا
ويوسف(ع) هو الآخر أطهر رجال زمانه، والله سبحانه وتعالي كما دفع السوء والفحشاء عن مريم دفعه عن سيدنا يوسف عليه السلام.
إن قميص يوسف(ع) له في هذه القصة دورمهم تجلي في مظاهر ثلاثة.
- بعد أن ألقاه إخوته في البئر، حيث جاءوا بقميصه الي أبيهم ملطخا بالدم وإدعوا أن الذئب قد أكله والذئب من دم ابن يعقوب براء لأنه لوكان الذئب قد افترسه لكان قميصه قد تمزق.
- إن قميص يوسف عندما هرب من نزوات زليخا شق من دبر وفي هذا براءة لهذا النبي الصديق من تهمة الزنا.
- وكما سيمر علينا لاحقا في هذه السورة هو دور قميص يوسف في شفاء عيني يعقوب(ع).
وما نستفيده من هذا النص:
- علي الانسان أن يدافع عن نفسه أمام الإتهام، حتي وإن أيقن عدم الخلاص من التهمة ومعاقبة الجاني.
- إن الشهادة لله وإنها قد تقام من قبل أقرباء الجاني وذلك من فضل الله في إظهار الحق وإزهاق الباطل.
- علي القاضي أن يحكم في القضايا والمرافعات علي أساس البينة أو الشهود، لكن له كذلك أن يقضي بعمله في بعض الأحيان كما هو مقرر في بعض الأحيان كما هو مقرر في باب القضاء من كتب الشرع الشريف، وإن التعرف علي مجريات الأحداث في مسرح الجريمة هو من مصاديق حصول العلم المسرغ للقضاء.
نعم لابد علاوة علي سماع طرفي الدعوي من دراسة مستندات القضية. جعلنا وإياكم من المتبعين لسبيل الحق النائين عن هوي النفس آمين يارب العالمين. طبتم وطابت أوقاتكم بالخيرات حضرات المستمعين الأفاضل والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.