بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام علي أشرف الخلق أجمعين نبينا محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم مستمعينا الكرام وأهلا بكم في حلقة أخري من هذا البرنامج ولنا وإياكم جولة في رحاب القرآن الكريم، وكنا قد قدمنا لكم تفسيرا يسيرا لـ22 آية من سورة يوسف.
والآن الي الآية الثالثة والعشرين من هذه السورة:
وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴿٢٣﴾
في الحلقة الماضية من هذا البرنامج ذكرنا أن عزيز مصر كان قد أرسل الي سوق النخاسة من يشتري له غلاما، وكان إن بيع يوسف (ع) له، لقد كان سيدنا يوسف عليه السلام علي جانب عظيم من الجمال والكمال وبوسامته تضرب الأمثال من هنا طلب العزيز من امرأته أن تكرم يوسف وتمييزه عن أن سائر الخدم في الدار.
يوسف الذي ألقاه إخوته الحاسدون في البئر، كان له أن يؤدي امتحانا عسيرا آخر في قصر عزيز مصر. مثل هذا الامتحان قد يواجه أي شاب لكن العبرة هي في الخروج منه برأس مرفوع حيث يتغلب الانسان علي هوي نفسه الأمارة ويكبح جماح شهوته.
لقد وقعت إمرأة العزيز في غرام يوسف(ع) وراودته عن نفسه، إن العشق في الدنيا لايميز بين الفقير والغني فقد يقع الغني في عشق الفقير والعكس أيضا، إن زليخا امرأة العزيز عندما رأت أن يوسف(ع) لايستجيب لطلبها استثمرت فرصة وجودها ويوسف في إحدي غرف الدار وأوصدت الباب عليهما وطلبت من يوسف الحرام وخيانة عزيز مصر فلم يستجب يوسف وقال لها إني وإن كنت لك عبدا مملوكا فأنا قبل هذا عبدالله تعالي أطيع ربي ولا أعصيه.
كيف لي أن أرجح طلبك علي أوامر الله الذي أنجاني من الموت وأنقذني من قعر البئر حتي صرت في قصر عزيز مصر.
إن يوسف عليه السلام وفضلا عن ايمانه كان أمينا، إنه أبي الخيانة وقد إستأمنه عزيز مصر، حتي جعل له مكانا في حرم قصره.
إن مانتعلمه من هذه الآية:
- إن الغرائز الجنسية هي من القوة بحيث لابد من التحكم بها وإلا أدت الي الفساد.
- إن اختلاط الأجانب في بعض الأحيان يفضي الي ارتكاب المعصية، ولابد من الحؤول دون وقوع المعصية ومنع الزنا والفاحشة.
- إن إطاعة الخالق فوق رضي المخلوق وكما جاء في الحديث لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق.
عندما تسد كل الأبواب فإن باب رحمة الله الواسعة تبقى مفتوحة دائما وللتخلص من ارتكاب الآثام لابد من اللجوء الى حضرة القدس الإلهي.
والى الآية الرابعة والعشرين من سورة يوسف (ع):
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴿٢٤﴾
يستفاد من هذه الآية المباركة أنه لو لا رحمة الله وعنايته فإن يوسف (ع) كاد أن يقع في مأزق دفع إمرأة العزيز عن نفسه بالقوة أو يصيبها بأذى شديد يسبب له الكثير من المشاكل بيد أن نور الإيمان الذي أضاء قلب يوسف (ع) هو الذي حال دون ذلك وهداه الى عدم استخدام القوة في ردع إمرأة العزيز، وبالتالي التخلص من تبعات ذلك عليه وبالتالي فقدان البرهان على نزاهته الذي أظهره الله عزوجل عندما هم بالخروج وشهد على برائته طفل من أرحام إمرأة العزيز كما سيأتي في الآيات اللاحقة.
إن اله تعالى وتمييزا للإنسان عن الحيوان والملائكة أودع فيه العقل والغريزة، بينا للملائكة العقل دون الشهوة وللحيوانات الشهوة دون العقل ومن غلب من الناس عقله على شهوته فهو أفضل من الملائكة ومن تغلبت شهوته على عقله كان أرذل من الحيوانات، ومع كل هذا فإن العقل لايمتلك قدرة مواجهة الغرائز كما هو في الإيمان، فالإيمان أقوى من العقل وأمضى، جعلنا الله واياكم من المؤمنين العاملين.
إن ما نستفيده من هذا النص الشريف ما يلي:
- من يتوكل على الله فهو حسبه ومن يلجأ اليه تعالى فهو المغيث في الشدائد وإلا زلت به القدم. ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
- إن الإخلاص في عبودية الله له آثاره في هذه الدنيا ومن ذلك نزول الفيوضات الربانية عند وقوع الملمات.
- إن الأنبياء كسائر الناس لديهم الشهوات والغرائز غير أن ايمانهم القوي بالله جل وعلا يحول دون تلوثهم بالإثم والمعصية. وحسب رأي المدرسة الإمامية فإن أنبياء الله ورسله معصومون من القبائح، لا فرق في ذلك بين قبل البعثة وبعدها.
اللهم نور قلوبنا بالإيمان وجنبنا الخطيئة والعصيان وتفضل علينا من كريم رحمتك يا كريم يا منان.