بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي خير خلقه وأشرف بريته نبينا محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات واهلا بكم في حلقة جديدة من نهج الحياة، حيث نواصل تفسير آيات أخري من سورة يوسف، ونبدأ بالآيتين التاسعة عشرة والعشرين منها إذ يقول تعالي شأنه:
وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ ۖ قَالَ يَا بُشْرَىٰ هَـٰذَا غُلَامٌ ۚ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً ۚ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴿١٩﴾ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ﴿٢٠﴾
في الحلقة الماضية من هذا البرنامج ذكرنا بأن إخوة يوسف (ع) نفذوا خطتهم في التخلص من أخيهم الصغير الذي كان محبوبا لدي أبيهم، حيث ألقوه في غيابة الجب وبعد أن عادوا قالوا لأبيهم إن الذئب أكل يوسف وها هو قميصه قد بقيت عليه آثار من دم. لقد أظهروا الحزن وسالت دموعهم كذبا.
والآن لنتابع علي شاشة تاريخ الأنبياء ماحصل من بعد ذلك لسيدنا يوسف عليه السلام.
نعم لقد لقي يوسف (ع) في البئر مدة، وذات يوم اقترب من ذلك البئر قافلة وأرادوا أن يستقوا فدلي أحدهم بدلوه، هنا أمسك يوسف(ع) بحبل الدلو وخرج، في بداية الأمرلم ينظر القافلة الي يوسف(ع) نظرة العبد. ولما وصلوا سوق الرقيق باعوه بثمن بخس دراهم معدودة، إذ لم ينفقوا للحصول عليه مالا بل وصل إلي أيديهم بطريق الصدفة وهكذا هو الانسان يفرط بما عنده إن لم يبذل للحصول عليه كثيرا.
وليست هذه الحالة خاصة بالسلع وحدها أو الناس بل تشمل أكبر وأكبر من ذلك، ولهذا قال الشاعر:
ومن أخذ البلاد بغير حرب يهون عليه تسليم البلاد
أما ما نستفيده من هذا النص فهو:
- قد يقوم المقربون في بعض الأحيان بإلقاء قريبهم في بئر المشاكل. لكن يأتي من يخلصه من الورطة بإذن الله تعالي وإن لم يكن ذلك المخلص قاصدا الانقاذ.
- البعض ينظر الي الانسان علي أنه سلعة مادية تباع وتشتري وقد غفل بذلك عن الجانب المعنوي الفاعل في حياة الانسان.
والي الآية الحادية والعشرين من سورة يوسف (ع):
وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ وَاللَّـهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٢١﴾
كما ذكرنا عرضت القافلة يوسف(ع) في سوق النخاسة، وكان ان اشتري هذا الغلام الجميل الطلعة موفدا عن بلاط مصر.
لقد حمل عزيز مصر يوسف(ع) الي قصره كي يستفاد من يوسف للعمل في القصر ومن جانب آخر يكون مؤنسا لزوجة العزيز التي لم يكن لها ولد ولم يكن لها أمل في الانجاب وكان قدوم يوسف(ع) الي قصر العزيز مقدمة لتحقق الرؤيا التي رآها هذا النبي الصديق بإذن الله تبارك وتعالي.
والذي يمكن أن نستفيده من هذا النص القرآني المبارك هو:
- إن الله جل وعلا يلقي الرأفة في قلوب الناس، لقد أحب عزيز مصر يوسف(ع) كحبه ولده وإن كان يوسف بالنسبة له غلام ليس إلا.
- قد تكون عاقبة المشاكل والصعاب، السعادة والرفاه بإذن الله.
لقد شاءت إرادة الباري تبارك اسمه إن يصعد يوسف(ع) من قعر البئر الي قمة المجد والعظمة.
ويقول أصدق القائلين في الآية الثانية والعشرين من سورة يوسف:
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿٢٢﴾
يشير الله عزوجل في قصة يوسف (ع) الي المكانة المعنوية لهذا النبي الكريم.
لقد عاش يوسف في بيت عزيز مصر، وحيث أنه كان من عباد الله المخلصين، فقد أنعم الله عليه بنعمة النبوة لما بلغ سن الرشد، وآتاه من لدنه علما.
إن سنة الله في خلقه أن ينال الطيبون في الدنيا طيبا جزاء مافعلوا من جميل الأفعال وما أضمروا في قلوبهم من حسن النوايا.
أجل إن الله تعالي يختار من بين عباده الصاحين من هوأهل النبوة وأجدربتحمل الرسالة.
إن الله يختبر اولئك الأنبياء والرسل عليهم السلام ويمحصهم كي يثبت جدارتهم أمام الناس وكيفما كان فالله أعلم حيث يجعل رسالته، تبارك ربنا ذوالجلال والاكرام.
ولنا في هذه الآية الدروس التالية:
- إن علوم الأنبياء (ع) هي من علم الله تعالي، أي إن علم النبي ليس مكتسبا من تجارب حياته بل إنه مكتسب من ذات القدس الربوبي.
- إن الرسالة هي لمن يختارهم الله جل شأنه فهي إذن منصب الهي رفيع وذات شأن منيع.
- ليست اللياقة الجسمية لوحدها كافية لتلقي الألطاف الإلهية، بل لابد لمن يكن نصيبه هذا الفخر أن يتسم بالفضائل وحميد الصفات وسامي الأخلاق.
جعلنا الله واياكم من السائرين علي خط الأنبياء والمرسلين ومن المتمسكين بعترة سيد المرسلين آمين يا رب العالمين.
إخوة الايمان نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.