بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي من لا نبي بعده سيدنا ومولانا ابي القاسم محمد وعلي آله الطاهرين، والسلام عليكم أيها الأخوة والأخوات، وأهلا بكم في حلقة أخري من هذا البرنامج القرآني حيث نتابع تفسير آيات أخري من سورة يوسف المباركة والتي تتناول قصة هذا النبي الكريم. هذا وكنا قد أنهينا تفسير 15 آية من هذه السورة والآن الي الآية السادسة عشرة حيث يقول تعالي:
وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ ﴿١٦﴾
علمنا من الآيات السابقة أن إخوة يوسف غير الأشقاء قد نفذوا خطتهم الرامية الي التخلص من أخيهم المحبوب عند أبيهم والقوة في غيابة الجب.
ومن بعد ذلك عادوا الي أبيهم، وكان من الطبيعي أن يسأل الأب عن يوسف. لقد تظاهر الأخوة بالحزن وراح الدمع يتساقط من مقلهم، لقد فعلوا ذلك كي لا يشك الأب في خطتهم المشؤومة.
وما تفيده هذه الآية:
- ليست كل الدموع دليل الحزن ومن الدموع الكاذبة كما يقال دموع التمايسح، إذ قد يتظاهر الخائن بالبكاء لكي يبرأ نفسه مما فعل.
- إن إثارة الأحاسيس هي إحدي الأساليب الدينية عند المتأمرين.
ويقول تعالي في الآية السابعة عشرة من سورة يوسف (ع):
قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ﴿١٧﴾
علاوة علي ذرف دموع المكر والحيلة، لجأ إخوة يوسف الي الكذب. لقد قالوا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب. وتمادي هؤلاء في غيهم وكذبهم، حينما قالوا لأبيهم إنك لاتثق بنا وإن كنا نحن من الصادقين.
أما ما نستفيده من هذه من هذه الآية فهو:
- ان الكذب قد يجر الي الكذب؛ إخوة يوسف تمادوا في الكذب غافلين عن انه سوف يفتضح أمرهم فيما بعد.
- ان الكاذب يصر علي كذبه ليصدقه الناس، انه يخاف ان يفتضح امره حينما تنكشف الحقيقة ولا ريب ان الكذب هو من كبائر الذنوب ويستفاد من بعض الأحاديث الشريفة أن المؤمن قد يزني لكنه لايكذب، أعاذنا الله واياكم من كبائر الآثام
ويقول تعالي في الآية الثامنة عشرة من سورة يوسف (ع):
وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ۚ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّـهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ﴿١٨﴾
ولكي يثبت إخوة يوسف إدعاءهم الكاذب جاءوا الي ابيهم بقميص يوسف(ع) وقد لطخته بقع الدماء وقالوا هذا دليل علي أن الذئب قد افترس يوسف، بينا الحقيقة أن الذئب بريء من دم ابن يعقوب (ع).
لقد كان يعقوب(ع) وهو نبي يعلم أن يوسف حي لم يمت، إنه (ع) أدرك كذب ادعاء أبنائه وانهم فعلوا مافعلوا حسدا لأخيهم الصغير ومن أجل فصلهم عن أبيه الذي كان يحبه حبا جما.
لقد خيم الحزن علي سيدنا يعقوب (ع)، وكانت رحمة الله ولطفه هما ما يخففان من الأسي الذي سكن فؤاد الأب الرحيم، بعد أن نأي عنه ولده الذي يرتبط معه بحب حميم.
علي أي حال أن الذي جعل النبي يعقوب لايبدي رد فعل كبير إزاء مافعل أبنائه هو ايمانه بأن ولده يوسف لايزال علي قيد الحياة وأن بشارة السماء تنتظره بعد أن قصي يوسف رؤياه علي ابيه، وكيف أنه رأي في عالم الرؤيا أحد عشركوكبا والشمس والقمر رأهم له ساجدين.
ان ما فعله يعقوب (ع) هو أن لبس للصبر حلته، إذ علي الانسان أن يصبر حينما تنزل به المصيبة ويحل به البلاء لأن ذلك من عزم الأمور.
ان ما نستفيده من هذا النص القرآني المبارك هو الآتي:
- ان النفس الملوثة بالآثام تزين للانسان قبيح عمله وتفتح امامه الطرق لارتكاب المعصية وسلوك جادة الشر.
- ان ما يحل علي الانسان من الصعاب ان هو إلا امتحان الهي (أحسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لايفتنون) لكن في الشدائد علي الانسان اذا كان مؤمنا الصبر فإنه مفتاح الفرج ولنا في رسول الله (ص) والعترة الطاهرة الأسوة الحسنة حيث نزلت عليهم من الشدائد ما لا تتحملها الجبال الراسيات والسبع الشدائد ومع هذا صبروا وان الله مع الصابرين.
- والي جانب الصبر وعدم الجزع يجب تقديم الشكر لله تعالي ورحمته الواسعة وانه الرؤوف بالعباد. كما اخرجهم من الظلمات الي النور ومن الشر الي الخير يأخذ بأيديهم من بعد الشدة الي الرخاء.
وكيفما كان فإن الدنيا وكما وصفها اميرالمؤمنين وامام المتقين علي بن ابي طالب عليه افضل الصلاة والسلام؛ دار بالبلاء محفوفة وبالغدر معروفة.
غفر الله لنا ولكم والسلام عليكم.