بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي من بعثه الله رحمة للعالمين مولانا وسيدنا ابي القاسم محمد وعلي آله الهداة الميامين.
ثم السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات، وأهلا بكم في لقاء قرآني جديد وتفسير موجز لبعض من آيات سورة يوسف المباركة حيث يقول تعالي في الآيتين السابعة والثامنة من هذه السورة:
لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ ﴿٧﴾
إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿٨﴾
في الآيات السابقة من هذه السورة الشريفة تبين أن قصة نبي الله يوسف(ع) بدأت برؤيا صادقة رأها هذا النبي وقصها علي أبيه.
وهذه الرؤيا وكما مر علينا تنبأ عن المكانة السامية ليوسف (ع) في المستقبل.
لكن نيل هذا المقام الرفيق لم يأت بسهولة ويسر، وفي هذا درس لطلاب الحقيقة من أن ما نيل المطالب بالتمني، ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.
إن ما حدث ليوسف (ع) في اليقظة هوغير ما رآه في المنام ، إذ كان أخوة يوسف غير الأشقاء يحسدونه وأخيه من أمه بنيامين.
لقد قال هؤلاء الأخوة في أنفسهم أن أبانا يعقوب علي خطأ لأنه يحب يوسف وبنيامين أكثر منا ونحن أجدر بهذا الحب والتفضيل لأننا شباب أقوياء؛ ونتعلم من هاتين الآيتين:
- إن حقائق القرآن جمة وكثير ولكن من يستفيد منها هم طلاب الحق.
- إن علي الوالدين أن يراقبوا سلوكهم حيال الأبناء فلا يجعلون التمايز بينهم لأن هذا التمايز يوقد نار الفتنة ويؤججها.
والآن نستمع الي الآية التاسعة من هذه السورة:
اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ﴿٩﴾
إن فهم الخاطيء إزاء تصرف الأب النبي يعقوب حيال يوسف وأخيه الشقيق جعل بعض إخوته غير الأشقاء يفكرون في تدبير خطة للتخلص من يوسف (ع) وكان هؤلاء الأخوة قد عقدوا عزمهم علي ارتكاب الإثم والتوبة بعده، علي أن التوبة هي دليل علي الندم بعد المعصية، لا أن تكون مبررا لها، ومن يرتكب المعصية ثم يتوب عنها لايضر إلا نفسه؛ إنه كمن يتناول طعاما مسموما يعلم بأنه مسموم ومن بعد ذلك يراع الطبيب من أجل العلاج فما جدوي ذلك ياتري؟
وعلي أي حال فإن قتل يوسف (ع) أوتركه في البيداء كانت خطة شيطانية تعكس الحسد الشديد من قبل إخوة يوسف له (ع). وما نستفيده من هذه الآية:
- أن الحسد بين الأخوة قد يقود الي ارتكاب الجريمة ولم نشاهد هذا في قصة يوسف (ع) فقط بل أن الحسد قد أتي ثماره المرة مذاق في بدء الخلق حينما تلطخت يدي قابيل بدم أخيه هابيل .
- أن الأبناء بحاجة الي محبة الآباء والأمهات وفي حال انعدام ذلك قد يكون طريقهم الي الانحراف.
والي تلاوة الآية من سورة يوسف (ع) الذي بتفسيرها تنتهي حلقة هذا اليوم، إذ يقول تعالي شأنه:
قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ﴿١٠﴾
لم يكن حسد إخوة يوسف (ع) له علي وتيرة وحيدة، بل تراوح ما بين الشدة والضعف. ومن هنا اقترح بعضهم عدم قتل يوسف بل القائه في غيابة الجب، علي أي حال إن هؤلاء الأخوة أرادوا إخفاء يوسف عن عيني أبيه كي يتحقق لهم مأربهم.
إنهم في آخر الأمر قرروا عدم تلطيخ أيديهم بدم أخيهم، لكن استقر رأيهم علي إلقائه في بئر ماء ثم تأتي بعض السيارة أي القوافل المارة في الصحراء فتلتقطه كما هوصريح الآية المباركة.
وعلي أي حال نجي يوسف(ع) من الموت والعجب أن النهي عن المنكر في بعض الأحيان كما هو الحال في قصة يوسف ينجي انسانا من الموت ويكون سببا لتحولات عظيمة في التاريخ البشري.
نعم هكذا كتب ليوسف بإذن الله الحياة وأصبح في مصرعزيزها كما سيأتي ذلك لاحقا ومن بركات وجوده الشريف أن أنقذ شعب مصر من القحط.
ويطالعنا مايشبه هذا في قصة النبي موسي(ع) حيث حفظته إمرأة فرعون من الموت بعد أن وضع وهو طفل في صندوق الذي في اليم. ولما بعث موسي نبيا انقذ بني اسرائيل من التيه والضلال وشر الفراعنة.
وهذه النماذج دليل علي أن من أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا ومن قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
إن ما يفيده لنا هذا النص:
- إذا لم يتمكن الانسان من التحرر من ربقة الإثم بالكامل، فعليه أن يتخلص بما يمكن منه.
- أن لا نستسلم للخطأ بسرعة بل نفسح المجال للإبتعاد عنه.
أبعدنا الله واياكم من الخطأ والزلل ووفقنا جميعا للعلم والعمل؛ والسلام خير ختام.