ومن بين الحوادث التي وقعت أيام الثورة، حادثة بالغة الأهميَّة وهي مؤامرة المنافقين الّتي تمَّ إحباطها بهمّة ومساعي هذا العالم الشجاع والمضحّي سماحة آية الله العظمى الخامنئيّ، وإليكم الحادثة بالتفصيل:
في الأيام الأخيرة من حياة النظام الطاغوتي، بدأت العناصر الشيوعيَّة بانتهاز الفرصة وتنظيم عناصرها لتبديل الثورة الإسلاميَّة إلى ثورة ديمقراطيَّة شعبيّة (حسب تعبيرهم). وإنتخبوا مصانع جنرال موتورز على الطريق العامّ المؤدّي إلى كرج كأفضل مكان لتنفيذ مخططهم، لأنَّه إضافة إلى بعدها عن طهران الّتي كانت مركزًا للإسلامييِّن والمؤمنين، يمكنهم هناك من جمع وتنظيم العناصر الشيوعيّة والعناصر المناوئة للثورة بعيدًا عن الأنظار، ثمّ يقومون بهجوم خاطف على طهران واحتلال المراكز الحسّاسة فيها، حيث يُقيمون حكومة شيوعيَّة حسب تصورهم.
إنَّ مثل هذه المؤامرات وإن كانت لا يُجنى من ورائها شيئ، لكن بما أنَّها كانت في الأيّام الحسّاسة أي من 19 إلى 22 بهمن، كان بإمكانها أن تكون أفضل دعم للنظام البائد وتؤخّر نجاح وإنتصار الشعب وتعطي الاستكبار فرصة أخرى لتمرير خططه.
فإستطاعت هذه العناصر من حشد خمسمائة من الجامعييِّن والموظّفين وآخرين ذوي ميول شيوعيّة هناك، بإلقاء خطابات مثيرة ونشر إعلانات في نشراتهم الخاصّة ودعوة القوى الديمقراطيَّة والشعبيَّة (حسب تعبيرهم) بالإنضمام إلى هذا التحرّك الثوريّ.
وعندما بلغ النبأ وحدة الإعلام في مكتب الإمام قدس سره، بعث سماحة آية الله العظمى الخامنئيّ جمعًا من العلماء ومعهم الشهيد ديالمه (من شهداء 7 تير) إلى هناك، لكنَّهم لم يستطيعوا عمل شيئ، فتوجّه سماحته بنفسه مرّتين إلى هناك، وفي المرّة الثانية تحرّك ظهرًا بسيارته حتّى وصل إلى المصنع، وألقى خطابًا قصيرًا ثمّ عاد.
لكن في اليوم العشرين من بهمن بلغت القضيَّة مرحلة خطيرة، حيث اجتمع خمسمائة من العناصر الشيوعيّة ومعهم ثمانمائة من العمال وبدأوا بتجهيز أنفسهم بصورة كاملة. وخيف أن يتسلّحوا ويشعلوا حربًا أهليّة في المراحل النهائيّة من الجهاد ضدّ الشاه، لهذا جاء الشهيد ديالمه إلى وحدة الإعلام في مكتب الإمام قلقًا وقال: إنّ الوضع خطير، لذا يجب تدبّر الأمر، ويجب أن يذهب من هو أهل إلى هناك. فتحمّل سماحة آية الله العظمى الخامنئيّ هذه المسؤوليّة وتوجّه سريعًا إلى المصنع. وأرسلت مجموعة من شباب حزب الله من مدرسة رفاه إلى هناك لدعمه.
وعندما وصل سماحته إلى المصنع عصرًا وقف على المنصّة بكلّ جرأة، حيث ألقى كلمة وبدأ بالردّ على الأسئلة، وإستطاع بذلك من إدانة الشيوعيّين بشدّة. ولهذا قاموا بترديد الأناشيد الشيوعيّة بصورة جماعيّة ورفع أيديهم فوق رؤوسهم والتصفيق، ليخلّصوا أنفسهم من هذه المشكلة. لكنَّ سماحته لم يترك المنصَّة وإستمرّ في خطابه.
ولما رأى الشيوعيّون أنَّ الأوضاع ليست في صالحهم، قطعوا التيّار الكهربائيّ لكي لا يصل إلى أسماع العمّال فيدركوا الحقائق. لكن سماحة آية الله العظمى الخامنئيّ سلّم مكبّر الصوت لأحد زملائه ورفع صوته في الظلام ونادى مخاطبًا العمال: لا تقلقوا، وتوجّهوا إلى كلامي، فلا شيئ هناك.
ثم بدأ بالتنقل على الطاولات، يقف عند كلّ طاولة ويبدأ بترديد الشعارات وبالتكلّم وتوعية العمّال وإثارتهم ضدّ الشيوعيّين، ثمّ قال: على أيَّة حال، سوف نصلّي الجماعة. فبدأ الشيوعيّون بمجادلته. سأله طالب جامعي سؤالا، لبس بدلة العمال- باسم أحد العمال، فقال له سماحته: أرني بطاقتك فإنكشفت القضيّة، وفضح سماحته عددًا آخر بنفس الكيفيّة. ثم فكّر في فصل العمال -الذين كان أكثرهم من المسلمين وذوي عقائد دينيّة- عن الشيوعيّين، وأفضل طريقة لذلك هي صلاة الجماعة،
فأعلن أنّ على كلّ مسلم مصلّ أن يتواجد في ساحة المصنع للصلاة جماعة. وفي النهاية أقيمت صلاة الجماعة، بإمامته في الساعة (8،30 مساءً) -ساعتان بعد المغرب تقريبًا- في ساحة المصنع، وحضر العمّال للصلاة وبقي الشيوعيّون في صالة المصنع، فكان لصوته البليغ والشجيّ الأثر الكبير في نفوس العمال. ثمّ إستغلّ سماحته هذه الفرصة فدعا العمال إلى المسجد.
فذهب الجميع إلى هناك. وشكّلوا تجمّعًا بمساعدة شباب حزب الله الّذين قدموا من مدرسة رفاه، وثاروا ضدَّ الشيوعيّين بإرشاد وتوجيه من سماحته. وفي اليوم التالي، تمّ طرد الشيوعيّين من المصنع، وبذلك أحبطت مؤامرة كبرى كادت تشعل حربًا أهليّة في لحظات الانتصار، وذلك بذكاء وتضحية الإمام الخامنئيّ دام ظله.
والملاحظة المهمَّة في هذه الحادثة: هي أنَّ سماحته بقي واقفًا في تلك الليلة على قدميه لمدّة سبع ساعات وهو يخطب ويتكلّم، وواصل نشاطه إلى الصباح، حتّى تمكّن من دفع هذا الخطر.
المصدر: khamenei.ir