بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين، وصل وسلم على حبيبك وخيرة خلقك النبيّ المصطفى محمد وعلى آله الطاهرين.
إخوة الإيمان في كلّ مكان السلام عليكم وأهلاً بكم في رحاب القرآن الكريم وحلقة جديدة من برنامج نهج الحيوة لنتابع وإياكم تفسير سورة الأنفال.
فبادئ ذي بدء ننصت خاشعين لهذه التلاوة العطرة للآية الثانية والعشرين من هذه السورة المباركة:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
إن شرّ الدواب....
بعد قوله تعالى: (ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون) ذمّ سبحانه الكفار فقال "إن شرّ الدواب" أي: شر من رب على وجه الأرض من الحيوان "عند الله الصمّ البكم الذين لا يعقلون" يعني هؤلاء المشركين الذين لم ينتفعوا بما يسمعون من الحق ولا يتكلمون به ولا يعتقدونه ولا يقرّون به فكأنهم صم بكم لا يتفكرون أيضاً فيما يسمعون فكأنهم لم ينتفعوا بعقولهم أيضاً وصاروا كالدواب.
علمتنا الآية:
- لكل من الأذن، والعين واللسان- قيمته إن وظف لدرك الحقيقة وقبولها.
- قيمة الإنسان بعقله، فمن يعرض عن تعاليم الله إنما يعرض عن العقل والتعقل.
والآن نبقى مع قوله تعالى، الآية الثالثة والعشرين من سورة الأنفال المباركة:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
ولو علم الله فيهم.........
"ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم" أي: ولو علم الله فيهم قبولاً للهوى وإقبالاً على طلب الحق لأسمعهم ما يذهبون عن إستماعه.
وقيل لأسمعهم الجواب عن كل ما سألوا عنه. "ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون" أي: لأعرضوا. وفي هذا دلالة على أن الله تعالى لا يمنع أحداً من المكلفين اللطف وإنمالا يلطف لمن يعلم أنه لا ينتفع به.
علمتنا الآية:
- قضت سنة الله وشاءت إرادته أن لا يكلف الله نفساً إلا وشعها، وإن لا يعطي أحداً إلا ما يستحق ويستوعب.
- شاء الله أن يكون الإنسان مخيراً وإن كان سبحانه قادراً على أن يجبره على قبول الحق –لكن شاءت إرادته أن تمنح الإنسان إمكانية الإعراض.
والآن ننصت للآية المباركة المرابعة والعشرين من سورة الأنفال:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
لله وللرسول إذا دعاكم....
ثمّ أمر سبحانه بطاعته وطاعة الرسول صلى الله عليه وآله فقال "يا أيها الذين آمنوا أستجيبوا لله وللرسول " أي: أجيبوا الله والرسول فيما يأمرانكم به. فإجابة الله والرسول طاعتهما فيما يدعوان إليه "إذا دعاكم لما يحييكم" أي: إلى الجهاد.
أو كما قيل إحياء أمركم وإعزاز دينكم بجهاد عدوكم مع نصر الله إياكم، هذا أولاً. وقيل في معناه ثانياً: إذا دعاكم إلى الإيمان فإنه حياة القلب والفكر موته. وقيل إلى الحق. ومعناه ثالثاً: إذا دعاكم إلى القرآن والعلم في الدين لأن الجهل موت والعلم حياة والقرآن سبب الحياة بالعلم وفيه النجاة والعصمة. ومعناه رابعاً: إذا دعاكم إلى الجنة لما فيها من الحياة الدائمة ونعيم الأبد.
"وأعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه" أي: بين المرء وبين الإنتفاع بقلبه بالموت فلا يمكنه إستدراك ما فات فبادروا إلى الطاعات قبل الحيلولة ودعوا التسويف. قيل وفيه حث على الطاعة قبل حلول المانع. وقيل معناه: أنه سبحانه أقرب إليه من قلبه، وهو تطير قوله تعالى ونحن أقرب إليه من حبل الوريد فإن الحائل بين الشيء وغيره أقرب إلى ذلك الشيء من ذلك الغير.
وقيل فيه تحذير شديد. وقيل معناه: أنه سبحانه يملك تقليب القلوب من حال إلى حال كما جاء في الدعاء يا مقلب القلوب والأبصار فكأنهم خافوا من القتال فأعلمهم سبحانه يبدل خوفهم أمناً بأن يحول بينهم وبين ما يتفكرون فيه من أسباب الخوف. وقيل في معني انه يحول بين المرء وقلبه: لا يستيقن القلب أن الحق باطل أبداً ولا يستيقن القلب أن الباطل حق أبداً. وقيل معناه: لا يستطيع القلب ان يكتم الله شيئاً. "وأنه إليه تحشرون" أي: وأعلموا أنكم تحشرون، أي تجمعون للجزاء على أعمالكم يوم القيامة إن خيراً فخير وإن شرّاً فشرّ.
من تعلمناه من هذه الآية الكريمة:
- حياة الإنسان الحقيقية دهن حركته في السير وفق تعاليم الانبياء ورسل السماء عليهم افضل الصلوة والسلام، والا فالإنسان ميت- وإن كان ياكل ويشرب ويتحرك.
- على الإنسان قبول الحق والإذعان له، والتفكير بالحياة الأبدية قبل أن يحول الله بينه وبين قلبه وقبل أن يدركه الموت.
والآن نشنف اسما عنا بهذه التلاوة العطرة للآية الخامسة والعشرين من سورة الأنفال المباركة:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
وأتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة و....
"واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة" حذرهم الله من هذه الفتنة وأمرهم أن يتقوها. واختلف في معنى الفتنة ههنا، فقيل: هي العذاب. أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب، والخطاب لأصحاب النبي صلى الله عليه وآله خاصة. وقيل: هي البلية التي يظهر باطن أمر الإنسان فيها.
وقيل نزلت في أهل بدر خاصة فأصابتهم يوم الجمل فاقتتلوا. وقيل هي الضلالة وافتراق الكلمة ومخالفة بعضهم بعضاً. وقيل هي الهرج الذي يركب الناس فيه بالظلم ويدخل ضرره على كل أحد. ثم اختلف في إصابة هذه الفتنة على أنها أولاً، جارية على العموم فتصيب الظالم وغير الظالم. أما الظالمون فمعذبون وأما المؤمنون فممتحنون ممحصون، وأنها ثانياً، تخص الظالم لأن الغرض منع الناس عن الظلم وتقديره واتقوا عذاباً يصيب الظلمة خاصة. وقيل: إن لا في قوله لا تصيبن زائدة.
ويجوز أن يقال ان الألف في "لا" لإشباع الفتحة، تقديره إحذروا ان يخص الظالم منكم بعذاب. أي: لا تظلموا فيأتيكم عذاب لا ينجو منه إلا من زال عنه إسم الظلم. "وأعلموا أن الله شديد العقاب" لمن لم يتق المعاصي. قيل في ذلك : أتتكم فتن كقطع الليل المظلم يهلك فيها كل شجاع بطل وكل راكب موضع وكل خطيب مصقع.
علمتنا الآية:
- النأي عن تعاليم الله الذي يفضي لابادة الانسان والمجتمع، عامل بروز الفتنة والفساد.
- علينا ان لا نكون عامل بروز الفتنة- وان لا نتناغم مع أصحاب الفتن أو مثيريها او نسكت امام الفتنة ولا نحرك ساكناً ضدها.
- النهي عن المنكر- واجب كل مؤمن فانه ان لم مؤثراً لتجنب المنكر وردعه- لكنه مؤثر وذو جدوى في منع نزول العذاب.
أعزاءنا المستمعين ... انتهت هذه الحلقة.... نستودعكم الله والسلام عليكم.