1- لقد بعث الرسول الاكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وصدح بدعوته المباركة لا لكي يغير ويصلح بعض الظواهر والاشكال والقشور، فلم تكن حركة الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ حركة اصلاحية ترميمية، بل كان دوره ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ دور البناء والمعمار الذي يبني البناء من الاساس ثم يرتقي لبناء الطوابق الاخرى..
انه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لم يهادن ولم يداهن الاعداء على حساب الدين وتعاليمه، فلذا لم يرض بأنصاف الحلول كما يفعل البعض فقد عرض بعض المشركين عليه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لكي يجمعوا في عبادتهم بين عبادة الاصنام والصلاة، فرفض ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ان يرقع في الدين وقيمه.
لقد أعاد الرسول الاكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ الانسان من جديد وصاغه من جديد، لقد غيرـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ثقافته من الثقافة الجاهلية المقيتة الى ثقافة ربانية رحبة، فصنع رجالاً كأبي ذر الغفاري الذي كان هو وقبيلتـه من قطاع الطرق وحوله الى اصدق انسان حتى قال ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في حقه: "ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر " وكسلمان الفارســـي حتى قال فيــه: " سلمان منا اهل البيت " وكذلك عمار بن ياسر والمقداد الذي اضحى كزبر الحديد..
انه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ استهدف حركة جذرية شاملة في الامة وفي مختلف الابعاد، فلذا لم يترك الامة في غياهب الأمور ومجاهيل القضايا، بل اعطى رؤى مناهج التحرك العملي على كافة الاصعدة والمجالات الحياتية، هذا ناهيك عن دعوة الامة لمعرفة ائمــة زمانهــم وقادتهم الميدانيين بعــد وفاتـه وهم ائمة اهل البيت ـ عليهم السلام.
2- لقد صاغ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ الانسان المسلم على اساس وقاعدة الايمان باللـه عبر تقوية وربط العلاقة بين العبد والمولى، بين الضعيف ومنتهى القدرة والعزة اللامتناهية.
روي عن أبي عبد اللـه ـ عليه السَّلام ـ قال: " استقبل رسول اللـه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ حارثة بن مالك بن النعمان الانصاري فقال له: كيف أنت يا حارثة بن مالك ؟ فقال: يا رسول اللـه مؤمن حقاً، فقال له رسول اللـه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: لكل شيء حقيقة فما حقيقة قولك؟ فقال يا رسول اللـه عرضت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت هواجري وكأني أنظر الى عرش ربي [و] قد وضع للحساب وكأني أنظر الى أهل الجنة يتزاورون في الجنة وكأني أسمع عواء أهل النار في النار فقال له رسول اللـه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: عبد نوّر اللـه قلبه، أبصرت فاثبت، فقال: يا رسول اللـه ادع اللـه لي أن يرزقني الشهادة، أن يرزقني الشهادة معك، فقال: اللـهم ارزق حارثة الشهادة، فلم يلبث إلاّ إياماً حتى بعث رسول اللـه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ سرية فبعثه فيها، فقاتل فقتل تسعة، أو ثمانية، ثم قتل".
لقد دعا الحارثة افضل دعاء فكان صحابياً جليلاً وذكياً، وقد عرف كيف يستشعر خوف اللـه وحبه في قلبه وكيف ينتخب ويختار الطريق القويم والسليم المؤدي اليه جل وعلا وان يرغب في ان تكون حياته كلها في جنب اللـه فلا يهمه ان تستمر ايام حياته ام تقل، وانما المهم عنده ـ رضي الله عنه ـ هو ان تزداد معرفته في اللـه يوماً بعد آخر، ولذا اختار طريق الشهادة، ولانه كما يرى الطريق السهل والمضمون الى الجنة من ان يبقى في الدنيا مع ابتلاءاتها وفتنها العديدة.
وبالفعل استجاب اللـه لطلبه فخرج بعد عدة ايام مع سرية لحرب المشركين فاستشهد هناك ـ رضي الله عنه.