بسم الله الرحمن الرحيم اللهمّ لك الحمد حمد الشاكرين، وصلّ وسلم على حبيبك وخيرة خلقك المصطفى النبي الخاتم محمّد وعلى آله الطاهرين.
إخوة الإيمان السلام عليكم وأهلاً بكم في رحاب القرآن الكريم وحلقة جديدة من برنامج نهج الحياة لنتابع وإياكم تفسير سورة الأنعام المباركة.
فبادىء ذي بدء ننصت خاشعين لهذه التلاوة العطرة للآيتين تسع وعشرين وثلاثين من السورة:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. بسم الله الرحمن الرحيم وقالوا إن هي إلاّ حياتنا الدّنيا وما نحن بمبعوثين. ولو ترى اذ وقفوا على ربّهم قال أليس هذا بالحقّ قالوا بلى وربّنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون
في ضوء المتقدّم من الآيات المبينة لرؤى المشركين حول الله وكتبه وانبيائه ورسله، تشير الآيتان لبطلان هذه الرؤى وإنكار أصحابها البعث والنشور والحشر والحساب، فقال منزلهما سبحانه وتعالى: (وقالوا ان هي)، اي: ما هي (إلاحياتنا الدنيا) عنوا بذلك أنه لا حيوة لنا في الآخرة وانما هي هذه التي حيينابها في الدنيا (وما نحن بمبعوثين) بعد الموت.
ثم خاطب سبحانه الرسّول صلى الله عليه وآله، قائلاً: (ولو ترى) يا محمد (إذ وقفوا على ربهم)، أي: على ما وعدهم ربهم من العذاب الذي يعاقب به الكفار والثواب الذي يكافىء به المؤمنين في الآخرة وعرفوا ما أخبرهم به سبحانه من الحشر والحساب.
خرج الكلام مخرج ما جرت به العادة من وقوف العبد بين يدي سيده لما في ذلك من الفصاحة والإفصاح بالمعنى والتنبيه على عظم الأمر (قال)، أي: يقول الله لهم وجاء على لفظ الماضي لتحققه (أليس هذا بالحق) كما قالت الرسل. وهذا سؤل توبيخ وتقريع وقوله هذا إشارة إلى الجزاء والحساب والبعث (قالوا)، أي: فيقول هؤلاء الكفار مقرّين بذلك مذعنين له (بلى) هو حقٌ (وربّنا) قسم ذكروه وأكدوا إعترافهم به (قال) سبحانه أو ألملك بأمره (فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون)، أي: بكفركم.
تدلنا الآيتان، على أن:
- المشركين والكفار- خلافاً لما يزعمون- اناس لا يرون إلا ظاهر الأمور ظناً منهم أنها تزول- بانكار الأمور المعنويّة والقيامة.
- يوم القيامة- قاضي المحكمة في المقام الاول- هو الله جلّ وعلا.
نصغي للآية إحدى وثلاثين من سورة الأنعام المباركة:
قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم السّاعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون
عند قيام الساعة- ينقطع ما للإنسان من علائق دنيوية من مال وبنين وجاه ومنزلة- وانه ما إن يشاهد الساعة تلك وكيف يحشر فيها الناس جميعا امام محكمة العدل الالهي- حتى يتأكد له حكم الله المطلق الذي لا ينازعه ولا يشارك سبحانه في ذلك إلاّ هو الواحد الأحد، فيندم حيث لا ينفعه الندم، فقوله تعالى: (قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله)، يعني: بلقاء ما وعد الله به من الثواب والعقاب وجعل لقائهم لذلك لقاء له تعالى مجازاً، وقيل: المراد بلقاء جزاء الله كما يقال للميت لقي فلان عمله أي جزاء عمله ونظيره إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه (حتى إذا جاءتهم الساعة)، أي: القيامة (بغتة)أي: فجأة من غير أن علموا وقتها (قالوا) عند معاينة ذلك اليوم وأهواله وتباين أحوال أهل الثواب والعقاب (ياحسرتنا على ما فرطنا فيها)، أي: على ما تركنا وضبّعنا في الدّنيا من تقديم أعمال الآخرة، وقيل: إن الهاء يعود إلى الساعة. والمعنى على ما فرطنا في العمل للساعة والتقدمة لها، وقيل: يعود إلى الجنة. أي: في طلبها والعمل لها. ففي هذه الآية كما يروى عن الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله يرى أهل النار منازلهم من الجنة فيقولون ياحسرتنا، وقد يعود الهاء إلى الصفة لأنه لما ذكر الخسران دل على الصفة، وقد يعود إلى معنى ما في قوله ما فرطنا، أي: يا حسرتنا على الأعمال الصالحة التي فرّطنا فيها (وهم يحملون أوزارهم)، أي: أثقال ذنوبهم (على ظهورهم)، أي: آثامهم وخطاياهم. يقال: إنّ المؤمن إذا خرج من قبره إستقبله أحسن شيء صورة وأطيبه ريحاً فيقول أنا عملك الصالح طال ما ركبتك في الدنيا فاركبني أنت اليوم فذلك قوله يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا، أي: ركبانا. وان الكافر إذا خرج من قبره إستقبله أقبح شيء صورة وأخبثه ريحاً فيقول أنا عملك السيء طال ماركبتني في الدّنيا فأنا أركبك اليوم وذلك قوله وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم.
عليهذا، يكون المعنى: انهم يقاسون عذاب آثامهم مقاساة تثقل عليهم ولا تزايلهم (ألاساء ما يرزون)، أي: بئس الحمل حملهم، أي: ساء ما ينالهم جزاء لذنوبهم وأعمالهم السبئة إذ كان ذلك عذاباً ونكالاً.
تفهمنا الآية:
- من يرى في الموت نهاية الحياة –إنما- يراهن على وجوده بالدنيا الفانية وهذا هو الخسران العظيم.
- القيامة، هي يوم الحسرة ويوم الندامة الشديد- أي: يوم لا ينفع فيه الندم.
نشنف أسماعنا الآن بالآية إثنتين وثلاثين من سورة الأنعام المباركة:
وما الحياة الدّنيا إلاّ لعب ولهو وللّدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون.
ثم ردّ سبحانه على من غرتهم دنياهم الفانية قولهم ما هي إلاّ حياتنا الدّنيا وبينّ جلّ وعلا أنّ ما يتمتع به من الدّنيا يزول ويبيد فقال (وما الحياة الدّنيا إلاّ لعبٌ ولهو)، أي: باطل وغرور إذا لم يجعل ذلك طريقاً إلى الآخرة وانما عنى بالحياة الدنيا اعمال الدنيا لأن نفس الإنسان لا توصف باللعب وما فيه رضا الله من عمل الآخرة لا يوصف به أيضاً لأن اللعب ما لا يعقب نفعاً واللهو ما يصرف من الجسد إلى الهزل وهذا انما يتصور في المعاصي.
وقيل: المراد باللعب واللهو ان الحياة تنقضي وتفنى ولا تبقى فتكون لذة فانية عن قريب كاللعب واللهو (وللّدار الآخرة) وما فيها من أنواع النعيم والجنان (خيرٌ للذين يتقون) معاصي الله لأنها باقية (أفلا تعقلون) ان ذلك كما وصف لهم فبزهدوا في شهوات الدنيا ويرغبوا في نعيم الآخرة ويفعلوا ما يؤدّي بهم إلى ذلك من الأعمال الصالحة.
تدّلنا الآية، التي فيها تسلية للفقراء بما حرموا من متاع الدنيا وتقريعٌ للأغنياء إذا ركنوا إلى حطامها ولم يعملوا لغيرها، على وجوب:
- مراقبة أعمالنا وما نقوم به والا تغرنا الحياة الدنيا- وتلهينا- عن الحياة الآخرة فانها خير وأبقى.
- وأن الدين- يدعو المؤمنين إلى التفكر والتأمل في عاقبة الامور- فخير الزاد التقوى.
- التعقل والتقوى فهما لازم وملزوم للآخر- فالعقل ما ينفك عن دعوة الإنسان للفضيلة والتقوى التي من شأنها النأي بالإنسان عن أي انحراف وارتكاب المعاصي.
انتهت هذه الحلقة من تفسير سورة الأنعام شكراً لحسن المتابعة... ولنا معكم حضرات المستمعين لقاء. باذنه تعالى ... والسلام عليكم.