بسم الله الرحمن الرحيم اللهمّ لك الحمد حمد الشاكرين، وصلّ وسلم على حبيبك وخيرة خلقك المصطفى النبي الخاتم محمّد وعلى آله الطاهرين.
إخوة الإيمان في كل مكان السلام عليكم وأهلاً بكم في رحاب القرآن وحلقة جديدة من برنامج نهج الحياة لمتابعة تفسير سورة الأنعام المباركة.
نستهل الحلقة بالاصغاء لهذه التلاوة العطرة للآية خمس وعشرين من السورة:
أعوذ بالله من الشيطان الرّجيم... بسم الله الرحمن الرّحيم
ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها حتىّ إذا جاؤك يجد لونك يقول الذين كفروا إن هذا إلاّ أساطير الأوّلين.
الأكنّة جمع كنان وهو ما وقي شيئاً وستره. والوقر، الثقل في الأذن- والأساطير، واحدتها أسطورة بمعنى حديث يشبه الأباطيل.
قيل في نزول هذه الآية، إنّ نفراً من مشركي مكة منهم النضربن الحارث وابوسفيان بن حرب والوليدبن المغيرة وعتبة بن ربيعة وأخوه شيبة وغيرهم جلسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقرأ القرآن. فقالوا للنضر ما يقول محمد؟ فقال: أساطير الاولين مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية، فأنزل الله هذه الآية التي تقول على لسان البارئ تعالى مخاطباً رسوله الأمين صلى الله عليه وآله: يا محمد (ومنهم)، أي: ومن الكفار الذين تقدّم ذكرهم (من يستمع إليك)، المراد: المستمعون كلامك يعني قريشاً (وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً) هذا يشبه ما ورد في سورة البقرة عند قوله تعالى (ختم الله على قلوبهم) فقد روي أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله كان يصلّي بالليل ويقرأ القرآن في الصلوة جهراً رجاء أن يستمع الى قراءته إنسان فيتدبّر معانيه ويؤمن به. فكان المشركون إذا سمعوه آذوه ومنعوه من الجهر بالقراءة. فكان الله تعالى يلقي عليهم النوم أو يجعل في قلوبهم أكنة ليقطعهم عن مرادهم وذلك بعدما بلغهم ما تقوم به الحجّة وتنقطع به المعذرة وبعدما إتضح أنهم لا ينتفعون بسماع القرآن ولا يؤمنون به. فشبه سبحانه تعالى إلقاء النوم عليهم بجعل الغطاء على قلوبهم وبوقر آذانهم، لأن ذلك كان يمنع المشركين من التدبّر. وهذا معنى قوله تعالى وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً. وقيل أيضاً إنه تعالى قد يعاقب هؤلاء الكفار بعقوبات يجعلها في قلوبهم تكون موانع من أن يفهموا ما يسمعونه.
ويحتمل أيضاً أن يكون سبحانه وتعالى سمّى كفرهم كنّاً تشبيهاً ومجازاً وإعراضهم عن تفهّم القرآن وقراً توسعاً لعدم الجمع بين الكفر والإعراض وبين الإيمان والفهم اللذين لا يجتمعان مع الكنّ والوقر أيضاً.
(و إن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها)، بمعنى: وإن يرى المشركون الكافرون بالله والرسول واليوم الآخر كلّ عبرة لم يصدّقوا بها. وقيل: وإن يروا كلّ علامة ومعجزة دالة على نبوّتك يا محمد لا يؤمنوا بها لعنادهم.
(حتى إذا جاؤك يجاد لونك)، يعني: يا محمد انهم إذا دخلوا عليك بالنهار يجيئون مجيء مخاصمين مجادلين رادّين عليك قولك ولم يجيئوا مجيء من يريد الرّشاد والنظر فيما يدلّ على توحيد الله ونبوّة نبيه (صلى الله عليه وآله).
(يقول الذين كفروا إن هذا)، أي: ما هذا القرآن (إلاّ أساطير الأولين)، أي: أحاديث الأولين التي كانوا يسطرونها.
وقيل معنى الأساطير الترهات والبسابس وكلام لافائدة فيه ولاطائل تحته.
ما تعلمناه من هذه الآية:
- لا قيمة لقراءة القرآن والإستماع إليه –ما لم يؤثرا في القلب- وإلا فالمشركون أيضاً كانوا يسمعونه من لسان شخص الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله).
- لا جواب للكافرين إزاء منطق القرآن والإسلام فيلجأون للإتهام والإفتراء والتحقير والخصام.
والآن مع الآية ست وعشرين من سورة الأنعام المباركة:
وهم ينهون عنه وينئون عنه وإن يهلكون إلاّ أنفسهم وما يشعرون
ثمّ كنى سبحانه عن الكفار الذين تقدّم ذكرهم فقال (وهم ينهون عنه وينئون عنه)، أي: ينهون الناس ومن إتبع النبيّ ويتباعدون عنه فراراً منه (صلى الله عليه وآله. وقيل: ينهون الناس عن استماع القرآن لئلا يقع في قلوبهم صحّته ويتباعدونهم عن إستماعه.
(وإن يهلكون إلاّ أنفسهم)، أي: ما يهلكون بنهيهم عن قبوله وبعدهم عنه إلا أنفسهم (وما يشعرون)، أي: وما يعلمون إهلا كهم إياها بذلك.
تدلّنا الآية على أن نعي وندرك:
- ان الكفرة والملحدين والسائرين على هذا الدرب باسم حريّة العقيدة والفكر والبيان، لا يجيزون حرية البيان لدعاة الحق لئلايتناهى ذلك لمسامع الباحثين عن الحق فيهتدوا.
- يهلك أئمة الكفر والشرك- أنفسهم قبل أن يمهدوا لهلاك غيرهم- وان كانوا لا يعلمون ما يفعلون.
نستمع الآن للآية سبع وعشرين من سورة الأنعام المباركة:
ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا نردّ ولا نكذب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين.
(فقالوا)، أي: فقال الكفار حين عاينوا العذاب وندموا على ما فعلوا (يا ليتنا نردّ) إلى الدنيا (ولا نكذب بآيات ربّنا)، يعني: بكتبه ورسله وجميع ما جاءنا من عنده (ونكون من المؤمنين)، أي: من جملة المؤمنين بآيات الله
نتعلم من هذه الآية المباركة:
- علينا مادمنا على قيد الحياة –عدم تفويت هذه الفرصة والتعويض عما فات واصلاح المستقبل وما تبقى من أيامنا- فلا عودة بعد الموت.
- ان يوم القيامة- هو يوم الحسرة على ما قمنابه وفعلناه في دنيانا وعلى ما لم نقم به فكان.
والآن مع هذه الآية الثامنة والعشرين من سورة الأنعام، نستمع:
بل بدالهم ما كانوا يخفون من قبل ولوردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون
أحياناً يكذب الإنسان ويتحايل حتى على نفسه متجاهلاً بذلك وجدانه وفطرته، فيرتكب عالماً ما نهى عنه- لكنه يتغابى تحسباً لوخز الضمير- إلى ذلك، كم من آية تشير إلى المذنبين يوم القيامة يبدو لهم ما كانوا يحاولون إخفاءه من قبل- بيد أن هذه الصحوة- عابرة لا تلبث طويلاً- وأنهم لو ردّوا إلى الحياة الدنيا لعادوا لما نهوا عنه وما كانوا يفعلون.
قوله تعالى: (بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل) بمعنى:
أولاً: بل بدا لبعضهم من بعض ما كان علماؤهم يخفونه عن جهّالهم وضعفائهم ممّا في كتبهم فبدا للضعفاء عنادهم.
ثانياً: المراد بل بدا من أعمالهم ما كانوا يخفونه فأظهره الله وشهدت به جوارحهم.
ثالثاً: أن المعنى ظهر للذين إتبعوا الغواة ما كان الغواة يخفونه عنهم من أمر البعث والنشور لأنّ المتصل بهذا قوله (وقالوا إن هي إلاّ حياتنا الدّنيا) في الآية التالية.
رابعاً: المراد بل بدا لهم وبال ما كانوا يخفونه من الكفر.
كل ما تقدم بمعنى ظهرت فضيحتهم في الآخرة وتهتكت استارهم.
(ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه)، أي: لو ردّوا إلى الحياة الدنيا لعادوا الى ما نهوا عنه من الكفر والتكذيب (وأنهم لكاذبون)، أي: هم كاذبون فيما يخبرون به عن أنفسهم في الدّنيا من الإصابة واعتقاد الحق. وقد يكون المراد أنهم تمنوا ما لا سبيل إليه فكذب أملهم وتمنيهم.
اخوة الايمان، إنتهت هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة. لنا لقاء آخر إن شاء الله نستودعكم الله والسلام عليكم.