بسم الله الرحمن الرحيم اللهمّ لك الحمد حمد الشاكرين، والصلوة والسلام على خيرة خلقك النبيّ الخاتم المصطفى محمد وآله الطاهرين. السلام عليكم إخوة الإيمان وأهلاً بكم في برنامج نهج الحياة وحلقة جديدة منه لتفسير آيات القرآن الكريم.
نستهل الحلقة بالإستماع وإياكم لهذه التلاوة العطرة للآيتين أربعة وخمسة من سورة الانعام المباركة:
وما تأتيهم من آية من آيات ربّهم إلا كانوا عنها معرضين فقد كذبوا بالحق لمّا جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون
في الحلقة السابقة، حيث باشرنا بتفسير سورة الأنعام، قلنا: إنّ الله تعالى أشار لبعض آياته وخلقه السموات والأرض منبّها الإنسان لحيوته المحدودة في الدنيا ولخاتمة عمره.
الآيتان تخبران عن الكفار الذين يجحدون بآيات الله مهما عظمت في الخلق ووجود الانسان بالذات، بدل الإيمان بهذه الآيات البينات وإقرارها. بعبارة أخرى: من الناس من لا يريدون الاذعان للحق والحقيقة، لا لأنهم لا يرون ما يدل على الحق والحقيقة من آيات محكمات.
مثلهم في ذلك مثل المتناوم الذي لا يوقظه كل الصراخ وحتى الهز او الخض باليد... بينما النائم نومة طبيعية، يستيقظ في حالات كهذه. طبعاً لايدوم الأمر طويلاً. فلا بد من أن يعود يوماً آثار سوء من يفكر ويعمل به ليعلوا ما يؤول إليه استهزاؤهم بآيات ربهم، أي: حججه وبيناته كانشقاق القمر ومن معجزات اخر لكن بعد فوات الأوان.
نفهم من الآيتين:
- ما يهم المعاندين الرفض وعدم الرضوخ للحق والاعتراف بما هو حقيقة- متجاهلين في ذلك كلّ الادلة والآيات او الحجج والبراهين مهما تعددت وتنوّعت.
- لا منطق ولا استدلالاً للكافر العنيد- الذي اعتاد الاستهزاء بالمؤمنين وبما يعتقدون.
والآن مع الآية رقم ستة من سورة الأنعام المباركة:
ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض مالم نمكّن لكم وأرسلنا السّماء عليهم مدرارا و جعلنا الانهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين
الآية تحذر المعاندين العازفين عن الحق، وتقول على لسان العزيز الحكيم: (ألم يروا) أي هؤلاء الكفار ويعلموا (كم أهلكنا من قبلهم من قرن)، أي: أمّة (مكناهم في الأرض مالم نمكّن لكم) بمعنى جعلناهم ملوكاً وأغنياء وأعطيناهم ما لم نعطكم أنتم المعاندون، ووسّعنا عليهم في كثرة العبيد والأموال والولاية والبسطة وطول العمر ونفاذ الأمر وأنتم تسمعون أخبارهم وترون ديارهم وآثارهم (وأرسلنا من السّماء عليهم مدراراً)، أي: الغيث والبركة من المطر (وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم) ولم يغن ذلك عنهم شيئاً لمّا طغوا واجترأوا علينا (وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين، أي: خلقنا من بعد هلاكهم جماعة أخرى.
القرن أهل كلّ عصر مأخوذ من أقرانهم في العصر، وقيل: اهل كلّ مدّة كان فيها نبي او طبقة من أهل العلم.
تعلّمنا الآية:
- مطالعة التاريخ والإتعاظ بمصير الأقوام السالفة هما من السبل التربوية التي يوصي بها القرآن الكريم ورسل السماء عليهم أفضل الصلوة والسلام.
- ليست الإمكانات المادية – رمز السعادة والعيش الرغيد- إذ كثيرا ما تكون عامل- الغفلة والغرور والظلم والجور الذي يؤول لهلاك الفرد والمجتمع.
- سيرة الناس وسلوكهم ومسيرتهم في الحياة الدنيا- وراء كل الحوادث والتطورات التاريخية وكذلك هلاك اقوام ومجتمعات التي أخذها الله بذنوبها –تمثل إحدى السّنن الإلهية المستحوذة على تاريخ الإنسان.
والآن نصغي واياكم مستمعينا الأفاضل للآية رقم سبعة من سورة الأنعام:
ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلاّ سحرٌ مبين
تفيد الروايات التاريخية أن قوماً من مشركي مكة كانوا يقولون للنبيّ (صلى الله عليه وآله) لن نؤمن بك مالم تنزل علينا كلام الله مكتوباً على ورق –مثلما أنزل الله – التوراة على موسى مكتوبة على حجر وجاء موسى الناس بألواح التوراة. فأجابهم القرآن الكريم لو كان كذلك وكان لهم ما أرادوا لدفعوا الدليل هذا أيضاً وقالوا، إنه سحر- لا إعجازٌ إلهيّ وسمائي- فكم من الناس لمست ألواح التوراة- ولم تؤمن رغم ذلك بموسى وقالت إنّه لساحر أكيد.
الآية، نزلت في نضر بن الحرث وعبد الله بن أبي أمية ونوفل بن خويلد قالوا يا محمد لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه أربعة ملائكة يشهدون على ذلك وأنك رسول الله
تفهمنا الآية، مدى عناد القوم وقساوتهم ودفع الدليل خاصة بعد معاينتهم الكتاب المكتوب في صحيفة ولمسهم ذلك الكتاب بأيديهم وكذلك بعد ان نسبوا ما عاينوه ولمسوه إلى السحر.
نستمع الآن إلى الآيتين المباركتين ثمانية وتسعة من سورة الأنعام:
لولا أنزل عليه ملكٌ ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ثمّ لا ينظرون ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون
ثم أخبر سبحانه عن هؤلاء المعاندين الكفار أنهم قالوا هلا أنزل على محمد –ملك- نشاهده فنصدّقه. ثم اخبر تعالى عن مدى عنادهم العظيم فقال (ولو أنزلنا ملكاً) على ما اقترحوه لما آمنوا به واقتضت الحكمة إستئصالهم وان لا ينظرهم ولا يمهلهم ثم قال تعالى: (ولو جعلناه)، اي: الرسول ملكاً (لجعلناه رجلاً) يلبس ما يلبسون لأنهم لا يستطيعون رؤية الملك في صورته لأنّ أعين الخلق تحار عن رؤية الملائكة إلا بعد التجسم بالأجسام الكثيفة ولذلك كانت الانبياء تأتي الأنبياء في صورة الإنس.
وقيل: ولو أنزلنا ملكاً لما عرفوه إلا بالتفكر وهم لا يتفكرون فيبقون في اللّبس الذي كانوا فيه. ولنزل بهم عذاب الله الاكيد. على هذا، يكون عدم إستجابته سبحانه وتعالى لطلب القوم، لطفاً من عنده ومرحمة.
يستفاد من الآيتين مدى نزعة بعض الناس المتسمة بالغرور والكبر اللذين يحولان دون ان يطيع من هو مثله ويقرّ به نبياً.
فكان منهم من يرى وجوب ان يكون الأنبياء من الملائكة وأسمى من البشر- في حين ما النبيّ إلا مأمور بابلاغ الوحي الإلهي وبعبارة المثل او النموذج التطبيقي والسلوكي لبني الإنسان، وما من ملك قادر على ان يكون هذا النموذج للإنسان الذي لا يماثل الملك في حاجاته ومتطلباته وغرائزه.
نفهم من الآيتين:
- انتباه الباحث عن الحقيقة- بأصغر دليل ومعجزة- اما المعاند اللجوج فلا- فانه لن يعي الحقيقة ولا يدرك الواقع حتى بنزول الملائكة من السماء.
- ان سبل دعوة الأنبياء والرسل وكذلك الوحي الإلهي لخير فرصة لتصديق رسالة السماء- أما إذا كان وقوع المعجزة بناءً على طلب الناس- فلم يعد حينذاك مفهوم لمثل هذه الفرصة. عليهذا، ان السبيل الوحيد هو الإيمان وإلا فلا، يعني: الهلاك.
هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة، فالى حلقة قادمة متجددة، نستودعكم الله والسلام عليكم.