بسم الله الرحمن الرحيم: مستمعي الاكارم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، اهلاً بكم في هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة لنقدم لكم تفسيراً مبسطاً لآيات من الذكر الحكيم. نبدء البرنامج بهذه التلاوة العطرة للآية 44 من سورة المائدة:
إنّا انزلنا التوراة.... فاولئك هم الكافرون
ايها الاخوة، تذكرون في الحلقة السابقة اننا قلنا ان جماعة من اليهود ولكي يتهربوا من حكم التوراة برجم أحد أغنيائهم لأنه زنى قصدوا النبي (ص) علّه يصدر حكماً ايسر في الذنب الذي ارتكب فرأوا ان النبي كم بما تطابق مع حكم التوراة. هذه الآية والآية اللتي تليها تتناولان هذا الامر وتعلنان انه: لم يحكم الانبياء الذين جاؤوا من بعد موسى فقط على اساس الثوراة، بل ان احبار اليهود ايضاً الذين تقع عليهم مسؤولية حفظ الكتاب والاحكام الالهية عليهم ان يفعلوا نفس الشيء ولا يكتمون الاحكام الالهية ولا يحرفونها خوفاً من الناس او في سبيل الحصول على منافع شخصيته، فهذا يعتبر نوعاً من الكفر بالله. اذن هذه الآية توضح مسؤولية علماء الدين في اجراء الاوامر الالهية ومقاومة هوى النفس (النابع من الذات او من اغراء الناس اياهم) وتدعوهم لمواجهة الانحرافات والخرافات، وهذه الآية تعلمنا:
- ان علماء الدين يجب ان يراقبوا بدقة تصرفات الحكام ولا يخافون اي تهديد ولا يستجيبون الى اي اعزاء في سبيل تطبيق الاحكام الالهية.
- مع وجود القوانين الالهية فان اللجوء الى القوانين الوضعية يعتبر انحرافاً.
والآن مستمعي الافاضل لننصت خاشعين لتلاوة الآية 45 من سورة المائدة:
وكتبنا عليهم فيها... فأولئك هم الظالمون
من بين الامور الاخرى التي لم يكن علماء اليهود يحكمون بها موضوع القصاص كانوا يفرقّون في تطبيقه، فيطبقونه على بعض القبائل ولا يطبقونه على اخرى. عندما يشير القرآن الى احكام القصاص التي وردت ايضاً في الاسلام يذكّر بان هذه الاحكام قد ذكرت ايضاً في التوراة، والجروح سطحية كانت او عميقة ففيها قصاص، ولا فرق بين الناس فيها، ولا شخص افضل من شخص، وكل من يرغب في حكم غير هذا يكون قد ظلم نفسه وظلم المجتمع، وطبعاً العفو عن الآخرين على كل حال حسن ولذا يبين القرآن أن كل من يتجاوز عن حقه فان الله سيغفر له من ذنوبه بمقدار عفوه عن الآخرين.
ومن هذه الآية نستنتج:
- كل الناس متساوون امام القوانين الالهية الفقراء مع الاغنياء. والسود مع البيض، والعلماء مع الجهال.
- قانون القصاص لا يختص بالمسلمين فقد كان جارياً بين جماعات اليهود منذ زمن النبي موسى (عليه السلام).
- الصدقة لا تقتصر على النفقة المالية، العفو عن اخطاء وذنوب الآخرين ايضاً هو نوع من انواع الصدقات.
- قرن الاسلام الصلابة وقطعية اجراء الاحكام بالرحمة والمحبة.
- للغرامة المالية والسجن لوحدهما لا يمكنهما الحيلولة دون ارتكاب الجرائم، وقصاص المجرم هو الذي يضمن امن المجتمع.
والآن ايها الاكارم لننصت خاشعين الى تلاوة الآيتين 46 و47 من سورة المائدة:
وقفينا على آثارهم...... فأولئك هم الفاسقون
بعد الآيات التي تطرقت الى الاحكام الالهية في التوراة ودعت اليهود الى العمل وفق ما جاء في التوراة تتوجه هذه الآيات الى المسيحيين بالقول أن الانجيل ايضاً كتاب سماوي ومصدر الهدى والنور وهو جاء لتأكيد الاحكام التي جاء بها التوراة، كما انطبقت على المسيح الاوصاف التي ذكرت في التوراة، وقد بعثه الله اليكم فكونوا مخلصين للانجيل ولا تعصوا اوامر الله فتكونوا فاسقين.
طبعاً من الواضح ان القرآن يعني التوراة والانجيل غير المحرّفين يتمتعان بالصفات المذكورة والايمان بهما يستوجب الايمان بنبيّ آخر الزمان (صلى الله عليه وآله) وكتابه (القرآن) وإلاّ فان التوراة والانجيل المحرّفين لا يمكن تطبيقهما، وإن تمّ العمل بهما فانهما لا يمكن قبولهما.
نتعلم من هاتين الآيتين:
- جميع الكتب السماوية تدعو الانسان الى الطهارة والتقوى لان المتطّهرين وحدهم يتقبّلون الموعظة ويتأثرون بها.
- جميع الكتب السماوية وجميع الانبياء يتحركون في اتجاه واحد يصدق بعضهم بعضا وليس هناك اختلاف او تنافر بينهم.
- الكتب السماوية كم تنزل لاجل تلاوتها بل لاجل العمل بها على المستويين الفردي والجماعي.
اعزائي المستمعين وبهذا نأتي الى نهاية هذه الحلقة من نهج الحياة واضعين الاوامر الالهية فصب اعيننا واتباع ما انزل الله في القرآن الكريم من قوانين لاجل سعادتنا في الدارين. الى اللقاء والسلام عليكم.