بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد واله الطاهرين، السلام عليكم مستمعينا الكرام اهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة وتفسير موجز لأيات القرآن الكريم.
يقول تعالى في الآية الثانية والتسعين من سورة النساء:
وما كان لمؤمن ان يقتل مؤمناً الا خطأ ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة الى اهله الا ان يصدقوا فأن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فديه مسلمة الى اهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليماً حكيماً
جاء في التفاسير ان احد المسلمين الذي تعرض الى التعذيب سنيناً في مكة على يد احد المشركين وبعد ان هاجر الى المدينة شاهد ذاك الرجل المشرك الذي عذيه ولم يكن يدري انه قد اسلم ومن هنا اقدم على قتله باعتباره كافراً.
فنزلت هذه الآية الشريفة تبين احكاماً تتعلق بالقتل وكما ذكرنا في الحلقة الماضية من هذا البرنامج فأن حكم الكفرة الظالمين اذا حاربوا المسلمين الاسر وعند اللزوم القتل لكن لابد لمثل هذا العمل ان يتم بعد التفحص والتحقيق وتحت اشراف الحاكم الشرعي لا اعتباطاً بحيث يقدم كل من يريد على القتل واراقة الدماء حسبما يقتضيه اجتهاده وعلى هذا كان عمل ذلك المسلم خطأ وجزاء من يفعل مثل هذا العمل دفع دية كاملة الى اسرة المقتول على ما بينته الآية المباركة. والنقطة الملفتة للنظر هنا ان اقرباء المقتول اذا كانوا من اعداء الأسلام المحاربين له فلا سهم لهم من الدية ولعل في هذا التشريع الالهي حكمة وهي عدم تقوية البنية المالية للاعداء. لكن اذا كان العدو قد وقع على معاهدة صلح مع المسلمين ففي مثل هذه الحالة يجوز تسليم الدية الى عائلة المقتول.
وبشكل عام فأن دفع الدية الى اقرباء القتيل له فوائد من بينها حل بعض المشاكل الاقتصادية الناجمة عن حادثة القتل والحؤول دون تجاهل الناس للدماء وكذلك في اعطاء الدية احترام للمقتول والامن الأجتماعي ونتعلم من هذه الاية الأمور التالية:
اولاً: اراقة دماء الناس المحرمة لا تتناسب مع الأيمان بالله وحتى من يرتكب القتل خطاً فلابد ان يدفع ثمناً غالياً جزاء ما ارتكب من خطأ.
ثانياً: الأسلام لا يشجع الرق بل وانه يدعو الى تحرير العبيد حتى جعل تحرير العبد احد العقوبات التي توقع على القاتل الذي ازهق نفساً وبتحريره رقبة يعيد الحياة لنفس اخرى.
ثالثاً: في الأسلام قوانين حقوقية واخرى جزائية كاملة ومتينة مثل قوانين القصاص والحدود والتعزيرات والديات.
ويقول تعالى في الآية الثالثة والتسعين من سورة النساء:
ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه واعدله عذاباً عظيماً
في شأن نزول هذه الأية روى المفسرون ان احد المسلمين وفي حرب احد قتل مسلماً اخراً عمداً وعلى ما يبدو كانت بين القاتل والمقتول خصومة وخلاف شخصي في الجاهلية واطلع النبي (ص) على الأمر في طريق العودة من احد فأمر (ص) بالقصاص من القاتل ولم يقبل له عذراً.
ان من يقتل احداً عمداً فأنه ينال غضب الله تعالى ويبقى في جهنم خالداً اما العقاب الدنيوي فانه القصاص ويسميه الفقهاء كذلك القود. ومن الناحية القانونية يقسم القتل الى ثلاثة انواع اولاً القتل الخطأ ثانياً القتل شبه العمد ثالثاً القتل عمداً وحكم الأول والثاني دفع الدية الى ورثة المقتول اما حكم القتل عمداً فهو القصاص لكن اذا عفى ولي الدم فله ان يأخذ الدية من القاتل وليس هنا قود وقصاص كما هو واضح.
ويقول تعالى في الآية الرابعة والتسعين من سورة النساء:
ياايها الذين امنوا اذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن القى اليكم السلم لست مؤمناً، تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا ان الله كان بما تعملون خبيراً
جاء في كتب التاريخ التي تناولت السيرة المطهرة وكتب التفاسير ان النبي (ص) وبعد حرب خبير التي دارت بين المسلمين واليهود في ضواحي المدينة ارسل جماعة من المسلمين الى احدى القرى القريبة من اجل دعوة اهلها الى الأسلام. احد اليهود وبعد ان علم بقدوم المسلمين لجأ الى جبل هناك هو واسرته وكان قد اعتنق الأسلام لكن احد المسلمين اقدم على قتله لظنه انه كافر فنزلت هذه الايه تذم هذا العمل الأرتجالي والتصرف غير المدروس لا سيما بعد ان قام ذلك المسلم بالأستيلاء على اموال المقتول، فهدف الأسلام ليس الفتح والأستيلاء على البلدان والغنائم بل ان هدفه السامي الدعوة الى الدين الحق وارساء دعائم الأمن والسلام في المجتمع.
ونتعلم من هذه الأية:
اولاً: ان الحرب والجهاد لابد ان يكونا على اساس معرفة دقيقة بالأهداف والاوضاع التي يمر بها العدو لا على اساس الأحاسيس وطلب الدنيا ومغانمها
ثانياً: ينبغي الترحيب بمن يظهرون الأسلام عن ايمان حقيقي وراسخ في القلب.
حضرات المستمعين الأفاضل حتى لقاء جديد نتمنى لكم اطيب الأوقات والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.