بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي خير خلقه واشرف بريته نبينا محمد واله الميامين اسعد الله اوقاتكم بالخير مستمعينا الكرام، مرة اخري نلتقيكم في نهج الحياة وتفسير لأيات اخري من سورة النساء، حيث نستمع اولاً الي تلاوة الاية الخامسة عشرة من هذه السورة الشريفة:
واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فأستشهدوا عليهن اربعة منكم فأن شهدوا فامسكوهن في البيوت حتي يتوفاهن الموت او يجعل الله لهن سبيلاً صدق الله العلي العظيم
في بداية سورة النساء ذكرنا بأن هذه السورة تتناول احكام الاسرة ومنها احكام الارث والنساء ومن هنا عرفت بهذا الاسم واذا كانت الايات السابقة التي مرت علينا تحدثت عن احكام الميراث فأن هذه الاية تتحدث عن جزاء النساء اللواتي يرتكبن الفاحشة اعاذنا الله منها وتأتي الاية الخامسة عشرة من هذه السورة موضحة جزاء المرأة التي ترتبط بعلاقة غير شرعية مع الرجل.
ومن الجرائم الاجتماعية التي يعاقب عليها الاسلام وتعتبر امرامنبوذاً كذلك في الشرائع والقوانين الاخري جريمة الزنا التي قال الله تعالي عنها في محكم كتابه الكريم: ولاتقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيلاً
ومن طرق اثبات الزنا غير اقرار الزانية أو الزاني اربع مرات ، البينة او الشهادة ولابد كما يتضح من هذا النص الكريم ان تتفق شهادة اربعة رجال علي وقوع الزنا وما دون هذا العدد لايعد دليلاً شرعياً يستلزم العقاب القانوني اي الحد الشرعي ولعل في هذا مصلحة مفادها حفظ حقوق الناس وعدم المخاطرة بنواميسهم ، ولابد لكل شاهد من الاربعة ان يكون عادلاً والعادل في مصداق الشرع هو من يأتي بالواجبات ويجتنب المحرمات.
وامساك المرأة الزانية في البيت حتي يأتيها الموت ليس كل الحكم الخاص بالزنا، لكن هذا العمل اي الحبس المؤبد فيه فائدة ذلك انه يحد من تجدد الاثم مرة اخري الذي قد يتجه الانسان اليه ثانية بفعل النفس الامارة وكم يلاحظ ان تهفو النفس الي المعصية في ظل تجمعات حتي وان كانت مثل السجون العامة.
علي اي حال ان للمرأة الزانية في الشرع الشريف حكمان، فاذا كانت المرأة غير محصنة اي غير ذات بعل او فتاة فحدها مئة جلدة وهذا صريح القرآن الكريم اما اذا كانت ذات بعل او محصنة فحكمها الرجم.
ونتعلم من هذه الاية اهمية كرامة الانسان فلاينبغي اهدارها، والقتل في الشرع يثبت بالاقرار مرتين وبشهادة عادلين .اما الزنا فيثبت باربعة اقارير او شهادة اربع شهود عدول كما مر. ثم ان الحبس ليس انتقاماً من الجاني بقدر ماهو مصلحة له وفي اجراء الحدود الشرعية ومنها الزنا سواء كان جلداً او رجماً مصلحة عامة اومصلحة للمجتمع.
ويقول تعالي في الاية السادسة عشرة من سورة النساء:
واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فأن تابا واصلحا فاعرضوا عنهما ان الله كان تواباً رحيماً
اكثر المفسرين يرون ان هذه الاية تتناول موضوع زنا غير المحصن الذي حده الجلد كما بينا . وثمة مسألة حقوقية ينبغي الاشارة اليها هنا وهي ان جرم الزنا اذا ماثبت في المحكمة بالدليل الشرعي أي الاقرار او البينة فانه لابد من اجراء الحد الشرعي ولاتقبل والحال هذه من مرتكب الفاحشة التوبة.
غير انه اذا تاب الزاني او الزانية قبل ذلك فأن هذه التوبة مقبولة ومقدمة التوبة الندم عن العمل الخاطئ والله تعالي يقبل التوبة من عباده لانه التواب الرحيم والغفور الكريم تبارك ربنا وتعالي شأنه العظيم
ولاينبغي ان يفسح المجال للمجرم للتمادي في اجرامه بل لابد من تضييق الخناق عليه عليه حفظاً لسلامة المجتمع من ان تلوثها الاثام والمعاصي واجراء الحدود الشرعية فيه للمجتمع فائدة عظيمة وقد جسدهذا المعني الشريف ائمة الهدي ع لاسيما امير المؤمنين علي بن ابي طالب صلوات الله عليه الذي يقول: اللهم انك تعلم انه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان ولاالتماس شئ من فضول الحطام ، ولكن لنرد المعالم من دينك ونظهر الاصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطلة من حدودك .
ويقول تعالي في الايتين السابعة عشرة والثامنة عشرة من سورة النساء:
أنما التوبة علي الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فاولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتي اذا حضر احدهم الموت قال أني تبت الآن ولاألذين يموتون وهم كفار اولئك اعتدنا لهم عذاباً اليما
تتحدث هاتان كما هو واضح عن التوبة وشروط قبولها وأهم شرط من شروط قبول التوبة ان يكون الاثم قد ارتكب الاثم عن جهل وتحت ضغط الغريزة لا انه توجه الي المعصية بملئ ارادته وكررها وادمن عليها حتي صارت امراً مألوفاً لديه لايستحي منه.
والشرط الثاني والمهم كذلك لقبول التوبة الاسراع اليها بعد وقوع العمل الأثم والشعور بالندم عن صدور المعصية اما من ينغمس في الفواحش طيلة عمره ثم يريد التوبة عند دنو اجله وقرب منيته فتوبته لاتقبل ذلك ان من شروط قبول التوبة اصلاح النفس وفي مثل هذه الحالة لايوجد وقت للاصلاح والعودة الي حظيرة الطهارة . وبشك عام فأن تأخير التوبة عن موعدها يؤدي الي تطويق الانسان بالمعصية وثم ما جدوي توبة باللسان بعد فوات الاوان سيما والنفس مثقلة بالآثام والمعاصي الجسام ؟ اعاذنا الله وأياكم من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا . ووفقنا لخير العمل وعمل الخير انه الكريم المنان.
حضرات المستمعين الافاضل، هكذا انتهت حلقة اخري من برنامج نهج الحياة، حتي لقاء جديد نترككم في رعاية الله وحفظه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.