بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيدنا محمد واله الطاهرين السلام عليكم مستمعينا الكرام، يسرنا ان نكون معكم في لقاء جديد وهذا البرنامج الذي يأخذنا الي ساحة القدس الألهي وربيع القلوب القرآن الكريم.
اعزاءنا المستمعين، يقول تعالي في الآية الرابعة من سورة النساء:
واتوا النساء صدقاتهن نحلة فأن طبن لكم عن شئ منه نفساً فكلوه هنيئاً مرئياً
كما ذكرنا في الحلقة الماضية من هذا البرنامج فأن سورة النساء تبدأ ببيان احكام و موضوعات اسرية و من بين هذه الأحكام الأسرية عند كل الشعوب والأمم المهر الذي يقدمه الرجل للمرأة حينما يريد الأقتران بها والزواج منها.
وكان البعض من عرب الجاهلية ، وقبل بعثة النبي الأكرم (ص) يقدمون المهر او الصداق الي الزوجات ثم يسترجعونه منهن.
وجاء القرآن الكريم ونظم في اطار قانون الأسرة المهر والصداق، حيث الزم الأزواج دفعه الي الزوجات وعدم استعادته الا ان تهب المرأة مهرها لزوجها او جزء منه، ودفع المهر من قبل الزوج للزوجة واجب ويدلنا عليه فعل آتوا وهو امر والأمر يدل علي الوجوب الا اذا اقترن بما يصرفه الي الأستحباب.
وقد استخدم القرآن الكريم وهو الآية في البلاغة كلمة نحلة وهي من النحل الذي يقدم للناس العسل الطيب المذاق، وكأن المهر الذي يدفعه الزوج للزوجة هو كالعسل الذي بجعل الحياة الزوجية هانئة سعيدة حلوة المذاق كأنها الشهد.
و نتعلم من هذه الآية ما يلي.
اولاً: المهر ليس سعر للمرأة، انه هدية الزوج للزوجة ودليل صدق الرجل في اظهار حبه لزوجته والصداق وهو مرادف المهر مأخوذ من الصدق.
ثانياً: المهر حق للزوجة وهي تملكه ولا يمكن اجبارها علي التنازل عنه او استرجاعه .
ثالثاً: الرضي الظاهري ليس كافياً في التنازل بل لا بد من الرضي القلبي كذلك هنا، فأذا ما تنازلت الزوجة عن مهرها بالأجبار والأكراه، فليس لهذا التنازل اثر شرعي او قانوني.
ويقول تعالي في الآية الخامسة من سورة النساء:
ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياماً وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفاً
يستفاد من هذه الآية وبعض الآيات التي سبقتها والتي تليها انه لا بد من القيمومة الشرعية علي اموال اليتامي حتي يبلغوا من الرشد ويصلوا الي مرحلة النضج العقلي والمقدرة علي التعامل الأقتصادي الصحيح.
واذا ما بلغ اليتيم السن الشرعية لكنه كان سفيهاً فأن القيمومة تبقي علي امواله فالسفه كالصغر من موارد الحجر الشرعي والسفية هو الذي لا يتمكن ان يتصرف في امواله بشكل صائب.
ونتعلم من هذه الآية مايلي:
اولاً: المال والثروة وسيلة تحرك المجتمع بشرط ان يكونا تحت تصرف الطيبين والصالحين والعقلاء .
ثانياً: في القضايا الأقتصادية الخاصة بالأسرة والمجتمع لا بد من الأهتمام بالمصالح الفردية والأجتماعية وعدم التعامل علي اساس العواطف والتوهمات.
ثالثاً: المسؤولون الماليون والأقتصاديون لابد ان يتمتعوا بين ابناء المجتمع الأسلامي بالرشد والخبرة والنزاهة والأمانة .
رابعاً: المال و الثروة في الحياة الدنيا سبب لقيام النظام الأقتصادي الرصين، لكن لا ينبغي ان يتعلق الأنسان بهذه الثروة الزائلة ويجعلها كل همه وهناك من يقول ان المال وسيلة لا غاية . وسيلة لقيام الحياة، كيف لا وقد اعتبره القرآن الكريم زينة الحياة الدنيا مع البنون.
ويقول تعالي في الآية السادسة من سورة النساء:
وابتلوا اليتامي حتي اذا بلغوا النكاح فأن انستم منهم رشداً فادفعوا اليهم اموالهم ولا تأكلوها اسرافاً وبداراً ان يكبروا ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف، فاذا دفعتم اليهم اموالهم فاشهدوا عليهم وكفي بالله حسيباً
توضح لنا هذه الأية الكريمة اسلوب الحفاط علي اموال اليتامي وكيفية دفعها اليهم عندما يصبحون مؤهلين للتصرف فيها.
ومن شروط تسليم المال لليتيم وصوله مرحلة البلوغ والرشد الفكري والأقتصادي ويثبت ذلك بالتجربة التي يعبر عنها لسان القرآن الكريم بـــكلمة ابتلاء.
وثمة مسألة اخري يشير اليها القرآن هنا وهي ان القيم علي اليتيم لا يحق له ان يأكل من مال اليتيم الا اذا كان فقيراً فله ان يأكل من مال اليتيم بقدر ما يعمل لحفظ امواله.
حضرات المستمعين ، هكذا انتهت هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة وسنواصل في الحلقه القادمة تفسير آيات اخري من سورة النساء.
نسأل الله تعالي آن يوفقنا للعمل بالقرآن الكريم وتطبيق احكامه الشريفة التي هي نبراس للحياة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.